الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(ويوقف القسم) للتركة (مع) وجود (الحمل) الوارث كانت الحامل زوجة للهالك أو أمة أو غيرهما كامرأة أخيه أو عمه، وسواء كان الحمل يرث تحقيقاً أو احتمالاً كالأم في الأكدرية المتقدمة لأنها إن ولدت أنثى ورثت وإلاَّ لم ترث (إلى أن يستهل صارخا فيعملا) حينئذ على ما تبين من استهلاله فيرث ويورث، ومن عدم استهلاله فهو كالعدم، وهذا هو المشهور ونحوه قول ناظم عمل فاس: ووقف قسم مطلقاً إذا ادعى *** حمل لزوجة لهالك نعى وإنما وقف القسم لاستهلاله للشك هل يوجد من الحمل وارث أم لا؟ وعلى وجوده هل هو متحد أو متعدد وعليهما هل هو ذكر أو أنثى أو مختلف؟ وظاهره أنه يوقف جميع المتروك ولا يعجل للزوجة ونحوها أدنى من سهميها، وهو كذلك على المشهور عن أشهب يعجل القسم في المحقق فتعطى الزوجة أدنى سهميها وهو الثمن وتعطى الأم أدناهما أيضاً وهو السدس، وذكر سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه للمختصر أنه رأى بخط من يوثق به في قسم تركة الولي العارف بالله سيدي أحمد بن عبد الله: أنهم عزلوا حظ الحمل على أنه ذكر قال: وكذلك فعلته في قسمة تركة كبراء بعض الأشراف فوضعت أنثى فقسم فاضل الموروث بين الورثة اه. وذلك لأن الغالب في الحوامل وضع شخص واحد ذكر أو أنثى فيعجل قسم ما عداه ويوقف ميراث شخص واحد لأنه المشكوك على قول أشهب، وقيل يوقف للحمل على قوله ميراث أربعة ذكور لأنه غاية ما وقع تحقيقاً لأن أم ولد أبي إسماعيل ولدت أربعة ذكور من حمل واحد باتفاق الرواة، وقيل يوقف ميراث خمسة، وقيل ميراث اثني عشر، وقيل أربعين. وقول الناظم مع الحمل الخ. يعني مع ظهوره وثبوته بشهادة النساء، وأما لو ادعت المرأة أنها حامل فإن التركة توقف أيضاً حتى تضع أو يظهر عدم حملها بانقضاء عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وإن قالت: لست بحامل قبل قولها وقسمت التركة وإن قالت: لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليست بحامل بأن تحيض حيضة أو يمضي أمد العدة ولا ريبة حمل بها قاله ابن رشد. فإن رجعت عن إقرارها بالحمل فلا تصدق حتى تمضي عدة الوفاة وتشهد القوابل بأنها ليس بها حمل ظاهر فتقسم التركة حينئذ قاله ابن هلال. تنبيهان: الأول: إذا وجب تأخير قسم التركة للحمل وكان للميت أم متزوجة بغير أبيه فإن ثبت حين وفاته أنها حامل بشهادة النساء، فإنه يرث ولو تأخر وضعه لأربعة أعوام أو لما فوقها فيما دون الخمسة أعوام وإن لم يثبت أنها حامل ولا عرف ذلك إلا بقولها كان له الميراث إن وضعته لأقل من ستة أشهر من موت أخيه، ولم يكن له ميراث إن وضعته لأكثر إلا أن يكون زوجها ميتاً أو غائباً يعلم أنه لا يصل إليها بعد وفاة ابنها، ولا تصدق المرأة ولا زوجها إن كان حاضراً وولدته لأكثر من ستة أشهر في أنه لم يطأها بعد موت ابنها قاله في قسمة المعيار عن ابن رشد. 5 الثاني: إذا فرعنا على المشهور وتعدى الورثة، وقسموا وأوقفوا للحمل أوفر حظيه، ثم هلك ما بأيديهم كله أو بعضه ضمنوا لتعديهم ولم يكن لهم رجوع فيما عزلوا إن سلم، وإن ضاع ما وقف للحمل فقط رجع على بقية الورثة وما وقف له وتلف كالعدم، فإن وجد بعضهم عديماً قاسم المليء منهم فيما بيده على حسب المواريث واتبع جميعهم المعدم كغريم طرأ على ورثة لا كوارث طرأ عليهم، ولو نما ما في أيديهم دخل عليهم فيه ولم يدخلوا عليه فيما نما بيده، فالقسمة جائزة عليهم لا عليه فإن قاسمهم وصيه أو القاضي أو مقدمه جازت عليه وعليهم، ومفهوم القسم أن الدين يعجل وهو كذلك (خ): وأخرت أي القسمة لا دين لحمل، وفي الوصية قولان محلهما في الوصية بغير عدد، وأما الوصية بالعدد فإنها كالدين تعجل اتفاقاً. (وبين من مات) من الأقارب (بهدم أو غرق يمتنع الإرث لجهل من سبق) كما تقدم عند قوله: وحالة الشك بمنع مغنيه. (وارث خنثى) وهو من له فرج ذكر وفرج أنثى أو لا يكونان له، ولكن له ثقب يبول منه، وهذا الثاني قد يتمحض للأنوثة بسبب حيض أو نبات ثدي وللذكورة بنبات لحية فقوله (بمباله اعتبر) خاص بالنوع الأول فإن بال من فرج الذكر فهو ذكر أو من فرج الأنثى فهو أنثى، وكذا لو كان يبول منهما لكن بوله من أحدهما أكثر خروجاً من الآخر أو كان خروجه منه أسبق من خروجه من الآخر، فالحكم للكثير وللأسبق كما قال: (وما بدا) من ذلك (عليه في الحكم اقتصر) وهذه العلامات تظهر في الصغير ولا إشكال إذ يجوز النظر لعورته، وأما الكبير فقيل يؤمر بالبول إلى حائط أو عليه، فإن ضرب بوله الحائط أو أشرف عليه فذكر، وإلاَّ فأنثى، وقيل تنصب له المرآة وتعقب بأن النظر لصورة العورة كالنظر لها. وقد يجاب بأن ذلك للضرورة حيث لم يمكن معرفة حاله بغير المرآة وظاهر إطلاقاتهم أنه لا يشترط التكرار فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات كفى. (وإن يبل بالجهتين الخنثى) واستويا في السبقية والكثرة وقف القسم إلى بلوغه إن كان غير بالغ على المشهور، ووقف حظ ذكر فقط أو أربعة على مقابله فإن نبتت له لحية دون ثدي أو أمنى من ذكره فذكر، وإن ظهر له ثدي كبير لا يشبه ثدي الرجال أو حاض ولو دفعة فأنثى، فإن ثبتت له اللحية والثدي معاً أو أمنى من فرجيه معاً أو بال منهما معاً واستويا في الكثرة والسبقية فهو خنثى مشكل دائم الإشكال، وميراثه من قريبه حينئذ ما أشار له بقوله: (فنصف حظي ذكر وأنثى) هو الواجب له أي نصف نصيبه بتقدير كونه ذكراً ونصف نصيبه بتقدير كونه أنثى، فإذا كان له على تقدير الذكورى ة سهمان، وعلى تقدير الأنوثية سهم واحد فيعطى نصف النصيبين وهو سهم ونصف، وهذا إذا كان يرث بكل التقديرين، فإن كان يرث بتقدير الذكورة فقط كعم أو ابن أخ أو بالأنوثة فقط كالأخت في الأكدرية فيعطى نصف ما يرث به وإن استوى إرثه بهما كأخ لأم أعطي السدس كاملاً. واعلم أن الخنثى منحصر في الأولاد وأولادهم والإخوة وأبنائهم والأعمام وأبنائهم والموالي ولا يرث الولاء إلا حيث يرثه النساء لأنه ليس بعاصب إذ لا يستكمل المال كله، ولا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة ولا زوجاً ولا زوجة لمنع منا كحته ما دام مشكلاً. قال الزرقاني وغيره: فإن وقع وتزوج وولد له فلا شك أن الولادة إن حصلت من البطن فهو أنثى وإن حصلت من الظهر فهو ذكر إلا أن الولادة من الظهر لا يكاد يقطع بها، وقد قيل أنها نزلت بعلي رضي الله عنه في رجل تزوج بخنثى وأصابها، فوقع الخنثى على جارية لها فأحبلتها فأمر علي رضي الله عنه بعدِّ أضلاع الخنثى، فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال وفرق بينهما، فإن ولد من الظهر والبطن فقد ذكر في المقدمات أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملاً، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملاً اه. ولا ميراث بين ولدي الظهر والبطن لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أبوين لأب ولا لأم، وعليه فلا يعتق أحدهما على الآخر إذا ملكه، وبه تعلم أن قولهم لا يتصور أن يكون أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة باطل، بل يتصور، وذلك كما رأيته ويتصور أيضاً بأن يوطأ بشبهة أو غلط أو زنا أو لكونه لم يعلم بحرمة مناكحته وهكذا، وقول الناظم: فنصف حظي ذكر وأنثى الخ. هذا في الخنثى الواحد فإن هلك وترك خنثى واحداً ومعه وارث محقق الذكورة أو الأنوثة أو بيت المال، فإنك تصحح المسألة على تقدير تذكيره فقط وعلى تقدير تأنيثه فقط، ثم انظر ما بين المسألتين من تماثل فيكتفي بأحد المثلين أو تداخل فيكتفي بأكبرهما أو توافق فتضرب وفق أحدهما في كامل الآخر أو تباين فتضرب الكل في الكل، ثم اضرب الخارج في حالتي الخنثى، واقسم الخارج على التقديرين، فما اجتمع له فيهما فاعطه نصفه، وكذلك غيره ممن معه في الفريضة. مثاله: لو هلك وترك خنثى واحداً وعاصباً ولو بيت مال فعلى تقدير كونه ذكراً له الجميع، وعلى تقدير كونه أنثى له النصف من اثنين وبين المسألتين التداخل لأن الواحد داخل في الاثنين، فتكتفي بأحدهما واضربهما في حالتي الخنثى بأربعة له في التذكير أربعة بتمامها. وفي التأنيث اثنان نصف الأربعة فمجموع ما اجتمع له في الحالتين ستة فاعطه نصفها وهو ثلاثة واعط للعاصب واحداً لأنه نصف ما بيده، وكذا لو ترك خنثى وبنتاً فالتذكير من ثلاثة، والتأنيث من ثلاثة أيضاً فبين مسألتيه التماثل فتكتفي بأحد المثلين، واضربه في حالتي الخنثى يخرج له ستة في الذكورة منها: أربعة وفي الأنوثة اثنان فمجموع ما بيده ستة أيضاً اعطه نصفها وهو ثلاثة وبيد البنت أربعة تأخذ نصفها وهو اثنان يبقى واحد يأخذه العاصب، ومثال التباين لو ترك ابناً وخنثى، فعلى ذكوريته المسألة من اثنين، وعلى أنوثته المسألة من ثلاثة، وبينهما التباين فتضرب الكل في الكل بستة، ثم اضربها في حالتي الخنثى باثني عشر، فعلى الذكورية لكل واحد ستة، وعلى الأنوثة له أربعة وللابن ثمانية، فمجموع حظيه في الذكورة والأنوثة عشرة، فيأخذ نصفها وهو خمسة ومجموع ما بيد الابن أربعة عشر فيأخذ نصفها وهو سبعة. هذا كله في الخنثى الواحد، وأما إذا ترك خنثيين فإنك تصحح المسألة على أربع تقديرات على تقدير كونهما ذكرين معاً أو أنثيين معاً أو الأكبر ذكراً والأصغر أنثى، وبالعكس. ثم انظر ما بين المسائل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نحو ما تقدم، واضرب الخارج في الأحوال الأربعة واعط لكل واحد ربع ما اجتمع له لا نصف ما اجتمع له كما يقتضيه عموم النظم، وإن كان الخناثى ثلاثة فصحح المسألة على ثمان تقديرات، واعط لكل واحد ثمن ما اجتمع له، وهكذا إذ نسبة الواحد الهوائي لحالتي الخنثي الواحد النصف، ولأربعة أحوال الخنثين الربع، ولثمانية أحوال الخناثى الثلاثة الثمن، وقس على ذلك. فلو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثنين والتأنيث من ثلاثة لهما الثلثان وللعاصب الثلث وهو واحد، وعلى تقدير كون الأكبر ذكر أو الأصغر أنثى وبالعكس المسألة من ثلاثة أيضاً، فهذه الفرائض الثلاثة الأخيرة مماثلة فتكتفي بواحدة منها وتضربه في اثنين التي هي فريضة تذكيرهما معاً لمباينتها لها يخرج لك ستة اضربها في الأحوال الأربعة بأربعة وعشرين أقسمها على كل حال من الأحوال الأربعة يحصل لكل خنثى في تذكيرهما معاً اثنا عشر، ولكل منهما في تأنيثهما معاً ثمانية، وللعاصب ثمانية ويحصل للأكبر في تذكيره فقط ستة عشر، وفي تأنيثه فقط ثمانية ويحصل للأصغر في تذكيره وتأنيثه مثله، فيجتمع لكل منهما في الأحوال الأربعة أربعة وأربعون، وللعاصب ثمانية ونسبة الواحد الهوائي إلى الأحوال الأربعة ربع فيعطى كل وارث ربع ما اجتمع له فالكل من الخنثيين أحد عشر، وللعاصب اثنان. تتمة: أول من حكم في الخنثى في الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأول من حكم فيه في الجاهلية عامر بن الظرب بكسر الراء كما في الصحاح كانت العرب في الجاهلية لا تقع لهم معضلة إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه فسألوه عن خنثى أتجعله ذكراً أو أنثى فقال: امهلوني وبات ليلته ساهراً، وكانت له جارية اسمها سخيلة ترعى له غنماً وكانت تأخر السراح والرواح حتى تسبق، وكان يعاتبها على ذلك ويقول: أصبحت يا سخيلة أمسيت يا سخيلة، فلما رأت سهره وقلقه قالت له: ما لك في ليلتك هذه ساهراً؟ قال: ويحك دعي أمراً ليس من شأنك، ويقال: إنها قالت له ذلك بعد إقامتهم عنده أربعين يوماً وهو يذبح لهم فقالت له: إن مقام هؤلاء أسرع في غنمك، وسألته عما نزل به فذكره لها بعد أن راجعته مراراً فقالت: سبحان الله اتبع القضاء للمبال. فقال: فرجتها والله يا سخيلة أمسيت بعد هذا أم أصبحت، فخرج حين أصبح فقضى بذلك. قلت: ويستفاد من هذه القضية فوائد: منها أن في ذلك ردعاً ومزدجراً لجهلة القضاة والمفتيين، فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوماً ولم يتجرأ على أن يحكم بغير علم، وقد كانت الصحابة الذين هم أعلم الأمة يتوقفون ولا يبادرون. قال ابن أبي ليلى: أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من الصحابة ما سئل أحدهم عن مسألة إلا وودَّ أن صاحبه كفاه، وكان بعضهم يحيل على بعض، وفي المواق أن الإمام النعالي سئل من برقة عمن قال لامرأته: إن فعلت كذا فلست لي بامرأة فبقي سنة كاملة يتأملها فما خرج الحكم بلزوم الطلاق إلا بعد مضي سنة، وعليه عول (خ) في قوله: أولست لي بامرأة إلا أن يعلق في الأخير. ومنها: أن الحكمة في العلم قد يخلقها الله تعالى على لسان من لا يظن به معرفتها كهذه الأمة وإن عجز عنها أهل الفطنة والعقول الراسخة، وفي التنزيل: يؤتي الحكمة من يشاء} (البقرة: 269) الآية. ومنها: أنه ينبغي لمن نزل به أمر معضل أن يستعين بغيره كما فعل هذا الجاهلي، ولو كان الغير دونه عقلاً وعلماً لأنه قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. ومنها: وجوب الإنصاف إذا ظهر الحق كما أنصف هذا الجاهلي لهذه الأمة، واعترف لها بالحق والفضل، وما أقبح بالإنسان أن يستفيد ويجحد، ولله در شهاب الدين القرافي وكان يتمثل به كثيراً حيث قال: وإذا جلست إلى الرجال وأشرقت *** في جو باطنك العلوم الشرد فاحذر مناظرة الجهول فربما *** تغتاظ أنت ويستفيد ويجحد ومنها: أن المذاكرة سبب النفع كما تذاكر هذا الجاهلي مع هذه الأمة، وقد قيل فهم سطرين خير من حفظ، وقرين ومذاكرة اثنين خير من هذين ولله در القائل: ولله قوم كلما جئت زائراً *** وجدت قلوباً كلها ملئت حلما إذا اجتمعوا جاؤا بكل فضيلة *** ويزداد بعض القوم من بعضهم علما ومنها: أن قول الإنسان لا أدري لا ينافي كمال العلم والفهم كما فعل الجاهلي حيث قال: امهلوني. وكان ابن عمر رضي الله عنه يُسأل عن عشر مسائل، ويجيب عن واحدة. ويقول في الباقي: لا أدري، وسئل مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري، ومن كلامه رحمه الله: إذا سئلت عن علم وأنت لا تعلمه فقل: لا أدري، فإن الله يعلمك ما لم تكن تعلم، وفي الحكم من رأيته مجيباً عن كل ما سئل، ومعبراً لكل ما شهد، وذاكراً لكل ما علم، فاستدل بذلك على جهله، والواو في كلامه بمعنى (أو) إذ كل من الثلاثة دليل الجهل، وذلك لأن الجواب عن كل سؤال يتضمن دعوى الإحاطة بالعلم وليست إلا لعلام الغيوب. ومنها: أن الرياسة لا تحصل إلا بالعلم إذ النفوس لا تذعن إلا لمن كان أعلم منها، فالعرب إنما اتخذوا ابن الظرب رئيساً لما اعتقدوا فيه من فهم المشكلات وحل المعضلات، ولم يخلق الله تعالى أشرف مع العلم، وبه شرفت الملائكة والأنبياء، ومن أجله سجدت الملائكة لآدم حين علمه ربه الأسماء، ولم يأمر الله سبحانه نبيه بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم فقال: يا محمد وقل رب زدني علماً، ولذا حث النبي عليه السلام على طلبه فقال (اطلبوا العلم ولو بالصين) وقال (كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) فقال الفقهاء: العلم الذي يطلب ولو بالصين هو علم الحلال والحرام، وقال المفسرون: هو علم كتاب الله العزيز، وقال المحدثون: هو علم الحديث، وقال الصوفية: هو علم النفس، والصحيح أن الحديث الكريم شامل لذلك كله، إذ علم الحلال والحرام مستنبط من الكتاب والسنة وعلم النفس راجع إلى ذلك كله. وهذا كله في العلم النافع إذ ما من فضل ورد فيه إلا وهو خاص به، فقد قال عليه السلام ( العلم علمان علم في اللسان فقط وهو حجة الله على عبده، وعلم في القلب وهو العلم النافع). قال أبو زيد عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه، والترمذي وغيرهما: كل علم لا يورث لصاحبه خشية في قلبه ولا تواضعاً ولا نصيحة لخلقه ولا شفقة عليهم ولا امتثالاً للأوامر ولا اجتناباً للنواهي ولا حفظاً للجوارح، فهو العلم المحجوج به العبد المحفوظ في اللسان فقط، إذ الشهوات غالبة عليه أطفأت نوره وأذهبت ثمرته وهو العلم الغير النافع، وكل علم تمكن في القلب وحصل به تعظيم الرب وأورث لصاحبه خشية وتواضعاً ونصيحة للخلق وشفقة عليهم، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي فهو العلم النافع، وقد استعاذ عليه السلام من علم لا ينفع فقال (أعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) وقال: (ما آتى لله عبداً علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله غضباً وبعداً): وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه علمه) وقال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} (الأحزاب: 30) الآية. وما ذاك إلا لكونهن رضي الله عنهن أعلم الناس بشريعته وسنته فبمخالفتهن لشريعته مع علمهن بها وجبت مضاعفة العذاب والخطاب لهن ولجميع الأمة، لأن العالم إذا خرج عن الطريق تبعه الجاهل، واعتقد أن ذلك حلال فيكون هذا الخارج قد أهلك نفسه وأهلك غيره كما قال عليه السلام (إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال انتزاعاً ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوهم بغير علم فقد ضلوا وأضلوا أي هلكوا وأهلكوا). وقوله: بغير علم يعني إما عن جهل ابتداء وإما بعد علم، وأفتى بغير علم عمداً وإثبات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أنهم لا يعذرون بخطئهم في الإعتقاد وهو صريح قوله تعالى: {ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار} (الأعراف: 38) يعني أن الكفار يقولون يوم القيامة: ربنا هؤلاء الأحبار والرؤساء أضلونا، وزعموا أن ما يدعوننا إليه من عبادة الأوثان واتباع الشهوات ومخالفة الأنبياء هو الطريق الحق فاعتقدنا ذلك. ونحن لا نعلم فاعذرنا وآتهم عذاباً ضعفاً من النار. قال تعالى: { لكل ضعف} (الأعراف: 38) فسوى بين المتبوع والتابع في مضاعفة العذاب ولم يعذر التابع بخطئه في اعتقاده، وقولهم من قلد عالماً لقي الله سالماً معناه إذا كان العالم مشهوراً بالعلم والتقوى، فالتقوى تمنعه من أن يقول باطلاً، والعلم يعرف به ما يقول، وإن لم يكن كذلك، فلا يجوز استفتاؤه ولا تقليده ومقلده مغرور لاحق له الوعيد المذكور. (و) لا يرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فإن مات قبل التعانها ورثها، وكذا لا ترث ملاعنة من زوجها الملتعن قبلها لا إن التعنت هي قبله ومات قبل التعانه فترث، فإن مات بعد التعانه الواقع قبل التعانها فعلى القول بوجوب إعادتها ترثه، وعلى مقابله لا ترثه هذا حكم الزوجين المتلاعنين، وأما (ابن اللعان) الذي وقع اللعان فيه فإنما (إرثه بأمه) فقط (ما كان) ذكراً كان أو أنثى واحداً أو متعدداً فلا يرثه أبوه الملاعن فيه ولا يرث هو أباه لانقطاع نسبه منه باللعان إلا أن يستلحقه فيجلد أبوه للقذف، ويقع التوارث بينه وبين أبيه حينئذ، وإذا ثبت إرثه بأمه فماتت فيرثها أو مات هو فترث منه فرضها وترث منه جدته لأمه إن لم تكن هناك أم دون جدته لأبيه، وإذا مات أخوه الملاعن فيه أو غيره ورثه. (والسدس أقصى سهمه) منه حيث اتحد فإن تعدد ورث الثلث كما تقدم في الإخوة للأم من أن الواحد منهم له السدس والمتعدد له الثلث. (وتوأماه) أي اللعان يعني توأمي الحمل الذي وقع اللعان فيه (هبهما تعددا) بأن وضعت ثلاثاً أو أربعاً من ذلك الحمل (هما شقيقان في الإرث أبداً) فإذا مات أحد التوأمين انفرد التوأم الآخر بإرثه حيث لم يكن هناك أم ولا إخوة لأم، فإن كانوا ورثت أمه السدس وإخوته لأمه الذين لم يقع اللعان فيهم الثلث وورث التوأم الباقي ما بقي بالتعصيب، وفهم منه أن غير التوأمين ليسا شقيقين، فإذا وقع اللعان في أربعة أولاد كل واحد من حمل، فإنما يتوارثون إذا مات أحدهم بالإخوة للأم فقط، ومثل توأمي الملاعنة توأما المستأمنة والمسبية بخلاف توأمي الزانية والمغتصبة، فإن توارثهما بالإخوة للأم فقط على المشهور. خاتمة (وما قصدت جمعه) من تقرير الأحكام التي يكثر دورانها بين القضاة والحكام (هنا انتهى) وكمل. ولما كان إلهامه لهذا التأليف وخلق القدرة له عليه حتى أتمه من أجل النعم، ومهماتها حمد الله تعالى على ذلك بقوله: (والحمد لله بغير منتهى) إذ كل نعمة تستوجب حمداً عليها، ولا سيما النعمة التي يدوم ثوابها لصاحبها بدوام الانتفاع بها كالتأليف لأنه من الأعمال التي لا تنقطع بالموت لحديث: (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم يبثه في صدور الرجال). (وبالصلاة) خبر عن قوله (ختمه) وضميره للنظم الذي قصد جمعه (كما ابتدي) بضم التاء مبنياً للمفعول ونائبه عائد على النظم، وما مصدرية والكاف تتعلق بالاستقرار في الخبر، والجملة خبرية قصد بها الإنشاء أي: وانشىء مختم هذا النظم بالصلاة كابتدائه بها تبركاً بها في المحلين لما قيل من إنها مقبولة قطعاً، والمولى سبحانه أكرم من أن يقبل للصلاتين ويدع ما بينهما (على الرسول) يتعلق بالصلاة وهو إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه (المصطفى) المختار من جميع الخلق (محمد) بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
|