الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في رفع المدعى عليه لمجلس الحكم وما يتعلق به: أي بالرفع المذكور من الطبع على من أبى الحضور وأجرة العون على من تكون. ثُمَّ اعلم أن الخصمين لا يخلو حالهما، إما أن يحضرا معاً مجلس الحكم متفقين على الدعوى أو مختلفين، وقد مر ذلك، وإما أن يحضر الطالب فقط، وفي هذه إما أن يكون المطلوب من غير محل ولاية القاضي وقد تقدم في قوله: والحكم في المشهور حيث المدعى عليه الخ، وإما أن يكون من محل ولايته وفيه صورتان فتارة يخرج عنها لزيارة أو تجارة أو نحوهما، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في البيوع في فصل الحكم على الغائب، وتارة لا يخرج عنها فلا يخلو حاله من ثلاثة أوجه: إما أن يكون في البلد، أو على مسافة قريبة أو بعيدة حساً أو حكماً، وعلى هذه الثلاث تكلم هنا فأشار إلى الأول فقال:(ومع مخيلة) أي دليل أي شبهة أي لطخ كجرح أو شاهد أو أثر ضرب ونحو ذلك (بصدق الطالب، يرفع بالإرسال) إليه لا بالخاتم على ما به العمل كما في اليزناسي (غير الغائب) وهو الحاضر في البلد فغير بالرفع نائب فاعل يرفع ومع يتعلق به، ويحتمل أن يكون مبنياً للفاعل وفاعله القاضي. وهذا قول سحنون وإن الحكم لا يرفع المطلوب حتى يأتي الطالب بشبهة لئلا يكون الطالب مدعياً باطلاً، وظاهر قول ابن أبي زمنين أنه يرفع وإن لم يأت بشبهة. ابن عرفة، وبه العمل وإلى الثاني بقوله: (ومن على يسير الأميال) كالفرسخ فما دونه (يحل) جمع ميل بكسر الميم والميل، كما قال ابن عبد البر ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، والذراع ما بين طرفي المرفق ورأس الأصبع الوسطى كل ذراع ست وثلاثون أصبعاً كل أصبع ست شعيرات بطن إحداهما لظهر الأخرى، كل شعيرة ست شعرات من شعر البرذون. وقال ابن حبيب: الميل ألف باع بباع الفرس، وقيل بباع البعير، والباع: ذراعان. والذراع: شبران، والشبر: اثنا عشر أصبعاً، والأصبع: ست حبوب من وسط الشعير بطن إحداهما لظهر الأخرى وعلى الأول اقتصر شراح المختصر.(فالكتب) إليه في كتاب إن أحضر مجلس الحكم ويطبع ويدفع للطالب الذي أتى بالمخيلة لأنها مراعاة عند الناظم في هذه بالأحرى، وإن كان العمل على خلافه كما مرّ (كاف فيه) عن إرسال الرسول إليه وهذا (مع أمن السبل) أي الطرق التي يسلكها لمحل الحكم (خ) وجلب الخصم بخاتم أو رسول إن كان على مسافة العدوى لا أكثر كستين ميلاً. إلا بشاهد. اهـ.ومسافة العدوى ثمانية وأربعون ميلاً فهي مسافة القصر كما في التبصرة الجوهري العدوى طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه يقال: استعديت على فلان الأمير فأعداني أي استعنت به فأعانني عليه.(تنبيه):لا يكتب إليه في هذا ولا يرسل خلفه في التي قبلها حتى يذكر دعواه وتتوفر شروطها ببيان السبب، وغير ذلك مما مر لئلا تكون دعواه غير صحيحة فيجلبه من مسافة العدوى لغير شيء، ويفوت عليه كثيراً من مصالحه وإلى الثالث بقوله: (ومع بعد) وهو ما فوق مسافة العدوى (أو مخافة) في الطريق من لصوص ونحوهم وإن كان على أقل منها (كتب لأمثل القوم) الذين هو فيهم أي أفضلهم في العلم والدين (أن افعل ما يجب) من النظر المؤدي للتناصف بينهما. (إما بالإصلاح) بينهما (أو الإغرام) للمطلوب حيث توجه الحكم به عليه (أو أزعج المطلوب) أي أرفعه (للخصام). والحاصل أن القاضي في هذا الوجه الثالث لا يكتب لأمثل القوم إلا مع قيام الشاهد ونحوه من جرح وأثر ضرب وقوله: كاف يعني على جهة الأولوية وإلاَّ فله أن يرسل إليه رسولاً كما مرّ عن (خ) فلا مخالفة بينهما في الصورتين، ابن عرفة: عن ابن عبد الحكم: من استعدى الحاكم على من معه في المصر أو قريباً منه أعطاه طابعاً في جلبه أو رسولاً وإن بعد من المصر لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهد بالحق فيكتب لمن يثق به من أمنائه أما أنصفه وإلاَّ فليرتفع معه. اهـ.وقال ابن الحاجب: ويجلب الخصم مع مدعيه بخاتم أو رسول إذا لم يزد على مسافة العدوى، فإن زاد لم يجلبه ما لم يشهد شاهد فيكتب إليه، إما أن يحضر أو يرضى أي خصمه فقول الناظم: إما بالإصلاح أو الإغرام هو قول ابن الحاجب أو يرضى خصمه إلا أن الناظم اشترط المخيلة في الصور كلها وقد علمت أنه خلاف لابن الحاجب وغيره من أنها لا تشترط إلا في الثالثة.تنبيهان:الأول: فهم من قول الناظم كتب لأمثل القوم الخ أن القاضي إذا أرسل إلى فقيه وقال له: انظر بينهما ثُمَّ اقض ما ترى في ذلك فذلك نافذ وهو كذلك عند ابن حبيب، وقال سحنون: لا ينفذ حكم الفقيه بينهما حتى يجيزه القاضي ويقره، وهذا في الحقيقة استخلاف إلا أنه في نازلة خاصة، وأما استخلافه من ينوب عنه في الأحكام فإن أذن له فيه نصاً جاز مطلقاً وإن نهى عنه امتنع مطلقاً وإن لم يكن إذن ولا نهي فإن جرت العادة به فينبغي أن يكون كالنص، وإلاَّ ففي جوازه لمرض أو سفر قولان للأخوين وسحنون. فإن انتفيا لم يجز إلا في جهة بعد (ت) كما في (ح) ثُمَّ ليس للمستخلف بالفتح أن يستخلف إلا بإذن من الذي قدمه أو عرف كما في (ح) قال: فحكم النواب مع من استنابهم حكم القضاة مع السلطان قال في التبصرة: ولا يسجل نائب القاضي بما ثبت عنده، فإن فعل فلا يجوز تسجيله ويبطل إلا أن يجيزه المستخلف بالكسر قبل أن يعزل أو يموت. قال: وإذا قلنا لا يسجل فله أن يسمع البينة ويشهد عنده الشهود فيما فيه النزاع، ويقبل من عرف منهم بعدالة وتعقد عنده المقالات، ثُمَّ يرفع ذلك كله إلى المستخلف بالكسر لينفذه ويسجل به للمحكوم له إلخ.وقول (ت): وإلاَّ فإن كان لعذر جاز الخ فيه مع قوله بعد في جهة بعد (ت) نظر لا يخفى لأن العذر الذي جاز معه الاستخلاف اتفاقاً من مطرف وسحنون هو بعد الجهات، واختلاف الكور التي لا يلزمه الدوران عليها ولا الجلب منها. فالصواب حذفه والاكتفاء بقوله في جهة بعد (ت).الثاني: إن لم يكن للمدعي حق لم تجب على المدعى عليه الإجابة ومتى علم الخصم بإعسار المطلوب حرم عليه طلبه، وإن رفعه إلى الحاكم وعلم أنه يحكم عليه بجور لم تجب الإجابة وتحرم حينئذ في الدّماء والجروح والحدود وسائر العقوبات الشرعية، وإن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته وخصمه يعتقد الثبوت وجبت الإجابة وإلاَّ سقطت ومتى طولب بحق وجب عليه أداؤه بالفور لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند الحكام صعب قاله القرافي في القواعد، ونقله (ح) بأتم مما هنا، ومحله والله أعلم إذا كان هناك من يعينه على الحق ويتثبت في أمره، وأما إذا فقد ذلك كما في زماننا اليوم فتجب الإجابة في الجميع لئلا يقع فيما هو أعظم. (ومن عصى) من الخصوم (الأمر) أي أمر القاضي الذي أرسل إليه أو أمر أمثل القوم المكتوب إليهم وتغيب عن مجلس الحكم (ولم يحضر) فإما أن يكون له مال ظاهر أم لا؟ فإن كان الأول فإن القاضي يحكم عليه بما ثبت عنده من بينة الطالب ويعديه في ماله الظاهر، وسواء اختفى ببيته أو لا يدرى أين هو ولا ترجى له حجة إن تغيب بعد استيفاء حججه وإلا رجيت كما سيأتي في قوله: ومن ألد في الخصام وانتهج. الخ وإن لم يكن له مال ظاهر ولم يختف في بيته (طبع عليه ما يهمه) شأنه مما لا صبر له عنه كداره وحانوته (كي يرتفع) مع خصمه، وصفة الطبع أن يلصق شمعاً أو عجيناً بالباب ويطبع عليه بطابع فيه نقش أو كتابة بحيث إذا فتحت الباب تغير ذلك عن حاله، فيعلم أنه قد دخلها فيفعل به ما يأتي من المناداة على بابه وإرسال العدول أو الهجم ونحو ذلك، وكذا إن اختفى في بيته وثبت ذلك، فمنهم من يرى أنه يختم على بابه أي يطبع عليها بما ذكر أيضاً ويبعث رسولاً ثقة ومعه شاهدان ينادي بحضرتهما ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات: يا فلان ابن فلان القاضي فلان يأمرك بحضور مجلس الحكم مع خصمك وإلاَّ نصب لك وكيلاً، فإذا فعل وإلاَّ نصب له وكيلاً وسمع من شهود المدعي البينة وقضى عليه إلى أن يقدر على استخراج المال منه، ومنهم من يرى أن يهجم عليه، ومنهم من يرى أن يرسل عدلين ومعهما جماعة من الخدم والنسوان والأعوان، فتكون الأعوان بالباب ويدخل النسوان والخدم ويعزلن حرم المطلوب في بيت ويفتش المنزل بغتة المنزل. هكذا ذكر في البيان عن ابن شعبان قال: إذا توارى الخصم وأثبت الطالب حقه حكم عليه إن كان له مال ظاهر، وإن لم يكن له مال ظاهر وثبت أنه في منزله فمنهم من يرى أنه يختم على بابه أي التي هو فيها بالاستئجار ونحوه إلى آخر الأقوال المذكورة، فظاهره أن الطبع إنما هو إذا لم يكن له مال ظاهر وهو خلاف إطلاق الناظم وخلاف قول الجزيري، وإن تغيب المدعى عليه طبع القاضي على داره وهو أحسن من التسمير لأنه يفسد الباب، فإن لم يفسده سمّره بعد أن يخرج منها ما فيها من الحيوان وبني آدم. اهـ.فظاهره أنه يطبع عليه ولو كان له مال ظاهر، لكن ما قررنا به هو الملائم لقوله فيما يأتي: وغير مستوف لها ان استتر الخ، لأنه صادق بما إذا توارى بعد أن جلس بين يدي القاضي مرة فما فوقها، وبما إذا لم يجلس بين يديه أصلاً وعليه فقول الناظم: طبع عليه ما يهمه خاص بما إذا لم يكن له مال ظاهر سواء اختفى في بيته على القول الأول من الأقوال المذكورة، أو اختفى في غيره ولم يعلم المحل الذي اختفى فيه. والحاصل أن المتغيب إذا ثبت تغيبه وعصيانه، وفي معناه المريض والمحبوس يمتنعان من التوكيل يحكم عليه إن طال تغيبه بعد أن يتلوم له بالاجتهاد سواء تغيب من أول الأمر أو بعد أن أنشب الخصومة، وسواء قلنا: إن المتغيب يطبع عليه مطلقاً كما هو ظاهر النظم والجزيري أو إن لم يكن له مال ظاهر كما هو ظاهر ابن شعبان وصاحب الشامل وغيرهما، لكن ترجى له الحجة حيث لم يستوف حججه كما يأتي والله أعلم. ونقل في التبصرة عن بعضهم أنه لا ترجى له حجة عقوبة له، وظاهره تغيب ابتداء أو بعد نشب الخصومة، ومن هذا المعنى أحد الشريكين يطلب صاحبه بالقسمة ويتغيب الآخر فإن القاضي يوكل من يقسم عنه بعد أن يفعل به ما مر.تنبيه:قال في الوثائق المجموعة: وينبغي للقاضي أن لا يقبل قول الرسول في تغيب المطلوب حتى يكشف ويسأل، وفي المفيد: من استهان بدعوة القاضي ولم يجب ضرب أربعين. الماوردي وابن الفخار: ويجرح إن كان عدلاً لقوله تعالى: {إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} (النور: 15). (وأجرة العون) الجالب للخصم إذا لم يرزق من عند القاضي ولا من بيت المال الذي هو الأصل فيها كنظائرها من أرزاق القضاة والقاسمين ونحوهم (على طالب حق) فيتفق مع العون عليها بما يراه إلا أن يثبت لدد المطلوب بالطالب، وأنه امتنع من الحضور بعد أن دعاه إليه بطابعه كما مرّ في قوله: فالكتب كاف إلخ.فلم يجب فالأجرة على المطلوب كما قال: (ومن سواه إن ألد) أي اشتدت خصومته بمطله وامتناعه من الانقياد إلى الحق (تستحق) هي أي الأجرة قاله ابن العطار واللخمي وغيرهما. وانتقده ابن الفخار بأنه لا يعلم في الشرع ذنب يبيح مال مسلم إلا الكفر. وأجيب: بأنه لما تسبب بامتناعه في إتلاف الأجرة على الطالب توجه الغرم عليه كما قالوه في مدية حتى تلف المذكي، ومثل أجرة العون أجرة السجان لأن اللدد فيه أبين قاله (ق): (قلت): وهذا تبين أنه سجن في حق كما يأتي إلخ.تنبيهات:الأول: قول الناظم: إن ألد ظاهر في أنه ثبت لدده ومطله، وقد فصل ابن الشماع في ذلك فقال: إن كان الحق جلياً والمطلوب به ملياً والحاكم المدعو إليه من حكام العدل، فالصواب إغرامه حيث لا عذر له في التخلف، وإن كان له عذر ظاهر في التخلف من غرم أو يخاف أن يسجن ولا يعرف عدمه أو كان طالبه مؤاخذاً له بشهادة زور مثلاً أو كان الحاكم مثلاً من حكام الجور. ونحو ذلك، فلا غرم عليه وإن لم تعرف حقيقة الأمر في ذلك، فالأصل عصمة مال المسلم فلا يباح بالاحتمال والشك إذ لا يرتفع اليقين إلا باليقين. اهـ.قلت: ويؤيده ما في أقضية المعيار عن القباني فيمن سجن في تهمة دم أو سرقة ولم يثبت عليه ما يوجب غرماً ولا قوداً أن أجرة السجان على مدعي الدم والسرقة، وعليه فلا تجب الأجرة على المطلوب حتى يثبت لدده بثبوت ما يدعيه الطالب فتوقف ابن رحال في ذلك قصور، وانظر آخر أقضية المعيار فقد ذكر فيها نظائر من ذلك: أجرة الأمينة وأجرة المقوم في البيع الفاسد قال: هي على الطالب وليست على البائع في الفاسد.الثاني: قال في التبصرة: ويجب أن يكون أعوان القاضي في زي الصالحين فإنه يستدل على المرء بصاحبه وغلامه، ويأمرهم بالرفق واللين في غير ضعف ولا تقصير، وينبغي أن يخفف منهم ما استطاع وإن استغنى عن اتخاذهم كان أحسن. المازري: كل من يستعين به القاضي لا يكون إلاَّ ثقة مأموناً لأنه قد يخاف عليه من النسوان إذا احتجن إلى الخصام.الثالث: المطل: هو تأخير الدفع عند استحقاق الحق والقدرة عليه وهو مما ترد به الشهادة كما قال (خ) عاطفاً على المبطلات ومطل لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) سماه ظلماً في قوله: (مطل الغني ظلم) وخصه بالغني دون المعسر لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة} (البقرة: 280) الآية. وفي بعض الروايات عنه عليه السلام أنه قال: (مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته). فعرضه المتظلم منه يقول: مطلني وظلمني، وعقوبته سجنه حتى يؤدي.
|