الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} وهي القوى التي ينطبع فيها الخير والشر ويصير هيئة أو ملكة ويظهر عند انسلاخ الروح ويتمثل بصور مناسبة أو القوى السماوية التي تنتقش فيها الصور الجزئية ولا تغادر صغيرة ولا كبيرة {حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} قيل: هم نفس أولئك الحفظة وقد أودع الله تعالى فيهم القدرة على التوفي {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله} في عين الجمع المطلق {مولاهم} أي مالكهم الذي يلي سائر أحوالهم إذ لا وجود لها إلا به {الحق} وكل ما سواه باطل.وذكر بعض أهل الإشارة أن هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى بناء على أن الله تعالى أخبر برجوع العبد إليه سبحانه وخروجه من سجن الدنيا وأيدي الكاتبين واصفًا نفسه له بأنه مولاه الحق المشعر بأن غيره سبحانه لا يعد مولى حقًا، ولا شك أنه لا أعز للعبد من أن يكون مرده إلى مولاه {أَلاَ لَهُ الحكم وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} [الأنعام: 62] إذ ظهور الأعمال بالصور المناسبة آن مفارقة الروح للجسد.{} إذ ظهور الأعمال بالصور المناسبة آن مفارقة الروح للجسد.{قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظلمات البر} وهي الغواشي النفسانية {والبحر} وهي حجب صفات القلب {تَدْعُونَهُ} إلى كشفها {تَضَرُّعًا} في نفوسكم {وَخُفْيَةً} في أسراركم {لَّئِنْ أنجانا مِنْ هذه} الغواشي والحجب {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} [الأنعام: 63] نعمة الإنجاء بالاستقامة والتمكين {قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا} بأنوار تجليات صفاته ومن كل كرب سوى ذلك بأن يمن عليكم بالفناء {ثُمَّ أَنتُمْ} بعد علمكم بقدرته تعالى على ذلك {تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64] به أنفسكم وأهواءكم فتعبدونها {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ} بأن يحجبكم عن النظر في الملكوت أو بأن يقهركم باحتجابكم بالمعقولات والحجب الروحانية {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} بأن لا يسهل عليكم القيام على باب الربوبية بنعت الخدمة وطلب الوصلة أو بأن يحجبكم بالحجب الطبيعية {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} فرقًا مختلفة كل فرقة على دين قوة من القوى تقابل الفرقة الأخرى أو يجعل أنفسكم مختلفة العقائد كل فرقة على دين دجال {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] بالمنازعات والمجادلات حسبما يقتضيه الاختلاف {لّكُلّ نَبَإٍ} أي ما ينبأ عنه {مُّسْتَقِرٌّ} أي محل وقوع واستقرار {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67] حين يكشف عنكم حجب أبدانكم {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في ءاياتنا} بإظهار صفات نفوسهم وإثبات العلم والقدرة لها {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] لأنهم محجوبون مشركون {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ} وهم المتجردون عن صفاتهم {مِنْ حِسَابِهِم} أي من حساب هؤلاء المحجوبين {مّن شيء ولكن ذكرى} أي فليذكروهم بالزجر والردع {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 69] يحترزون عن الخوض.وجوز أن يكون المعنى أن المتجردين لا يحتجبون بواسطة مخالطة المحجوبين ولكن ذكرناهم لعلهم يزيدون في التقوى {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا} أي اترك الذين عادتهم اللعب واللهو إلخ فإنهم قد حجبوا بما رسخ فيهم عن سماع الإنذار وتأثيره فيهم {وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآن كراهة {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي تحجب بكسبها بأن يصير لها ملكة أي ذكر من لم يكن دينه اللعب واللهو لئلا يكون دينه ذلك وأما من وصل إلى ذلك الحد فلا ينفعه التذكير {أُوْلَئِكَ الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} وهو شدة الشوق إلى الكمال {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأنعام: 70] وهو الحرمان عنه بسبب الاحتجاب بما كسبوا {قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا أَيُّ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ على أعقابنا} بالشرك {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} إلى التوحيد الحقيقي {كالذى استهوته الشياطين} من الوهم والتخيل {فِى الأرض} أي أرض الطبيعة ومهامه النفس {حَيْرَانَ} لا يدري أين يذهب {لَهُ أصحاب} من الفكر والقوى النظرية {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} الحقيقي يقولون {ائتنا} فإن الطريق الحق عندنا وهو لا يسمع {قُلْ إِنَّ هُدَى الله} وهو طريق التوحيد {هُوَ الهدى} وغيره غيره {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} [الأنعام: 71] بمحو صفاتنا {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة} الحقيقية وهو الحضور القلبي.قال ابن عطاء: إقامة الصلاة حفظها مع الله تعالى بالأسرار {واتقوه} أي اجعلوه سبحانه وقاية بالتخلص عن وجودكم {وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام: 72] بالفناء فيه سبحانه: {وَهُوَ الذي خَلَقَ السموات} أي سموات الأرواح {والأرض} أي أرض الجسم {بالحق} أي قائمًا بالعدل الذي هو مقتضى ذاته {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} وهو وقت تعلق إرادته سبحانه القديمة بالظهور في التعينات {قَوْلُهُ الحق} لاقتضائه ما اقتضاه على أحسن نظام وليس في الإمكان أبدع مما كان {وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} وهو وقت إفاضة الأرواح على صور المكنونات التي هي ميتة بأنفسها بل لا وجود لها ولا حياة.{عالم الغيب} أي حقائق عالم الأرواح ويقال له الملكوت {والشهادة} أي صور عالم الأشباح ويقال له الملك {وَهُوَ الحكيم} الذي أفاض على القوابل حسب القابليات {الخبير} [الأنعام: 73] بأحوالها ومقدار قابلياتها لا حكيم غيره ولا خبير سواه. اهـ.
|