الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عطية في الآيات السابقة: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)}قرأ: {القارعةَ ما القارعةَ} بالنصب عيسى، قال جمهور المفسرين: {القارعة} يوم القيامة نفسها لأنها تقرع القلوب بهولها، وقال قوم من المتأولين: {القارعة} صيحة النفخة في الصور، لأنها تقرع الأسماع، وفي ضمن ذلك القلوب، وفي قوله تعالى: {وما أدراك} تعظيم لأمرها، وقد تقدم مثله، و{يوم}: ظرف، والعامل فيه {القارعة} وأمال أبو عمرو: {القارعة}، و{الفراش}: طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب»، وقال الفراء: {الفراش} في الآية: غوغاء الجراد وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء، و{المبثوث} هنا معناه: المتفرق، جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور {كالفراش المبثوث}، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر، لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة، واختلف اللغويون في {العهن}، فقال أكثرهم: هو الصرف عامًا، وقال آخرون: وهو الصوف الأحمر، وقال آخرون: هو الصوف الملون ألوانًا، واحتج بقول زهير:والفنا: عنب الثعلب، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وسود وصفر، فجاء التشبيه ملائمًا، وكون {الجبال كالعهن}، إنما هو وقت التفتيت قبل النسف ومصيرها هباء، وهي درجات، والنفش: خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، وفي قراءة ابن مسعود وابن جبير: {كالصوف المنفوش}، و(الموازين): هي التي في القيامة، فقال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين: ميزان القيامة بعمود ليبين الله أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه، وقال مجاهد: ليس تم ميزان إنما هو العدل مثل ذكره بالميزان إذ هو أعدل ما يدري الناس، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال، وخفته بعدمها وقلتها، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن.{عيشة راضية} معناه: ذات رضى على النسب، وهذا قول الخليل وسيبويه، وقوله تعالى: {فأمه هاوية} قال كثير من المفسرين: المراد بالأم نفس الهاوية، وهي درك من أدراك النار، وهذا كما يقال للأرض: أم الناس لأنها تؤويهم، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: فنحن بنوها وهي أمنا، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه، وقال آخرون: هو تفاؤل بشر فيه تجوز في أم الولاد، كما قالوا: أمه ثاكل وخوى نجمه وهوى نجمه ونحو هذا، وقال أبو صالح وغيره: المراد أم رأسه لأنهم يهوون على رؤوسهم.وقرأ طلحة: {فإمُّه} بكسر الهمزة وضم الميم المشددة، ثم قرر تعالى نبيه على دراية أمرها وتعظيمه ثم أخبره أنها {نار حامية}، وقرأ: {ما هي} بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق والأعمش، وروى المبرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: لا أم لك، فقال: يا رسول الله، أتدعوني إلى الهدى وتقول: لا أم لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أردت لا نار لك» قال الله تعالى: {فأمه هاوية}. اهـ. .قال أبو السعود في الآيات السابقة: {القارعة}القرعُ هو الضربُ بشدةٍ واعتمادٍ بحيثُ يحصلُ منهُ صوتٌ شديدٌ وَهيَ القيامةُ التي مبدؤُهَا النفخةُ الأولى ومُنتهاهَا فصلُ القضاءِ بينَ الخلائقِ كما مرَّ في سورةِ التكويرِ سميتْ بَها لأنَّها تقرعُ القلوبَ والأسماعَ بفنونِ الأفزاعِ والأهوالِ وتُخْرِجُ جميعَ الأجرامِ العلويةِ والسفليةِ منْ حالٍ إلى حالٍ السماءَ بالانشقاقِ والانفطارِ والشمسَ والنجومَ بالتكويرِ والانكدارِ والانتشارِ والأرضَ بالزلزالِ والتبديلِ والجبالَ بالدكِّ والنسفِ وهيَ مبتدأٌ خبرُهُ قوله تعالى: {مَا القارعة} على أنَّ مَا الاستفهاميةَ خبرُ القارعةِ مبتدأٌ لا بالعكسِ لَما مرَّ غيرَ مرةٍ أنَّ محطَّ الفائدةِ هُوَ الخبرُ لا المبتدأُ ولا ريبَ في أنَّ مدارَ إفادةِ الهولِ والفخامةِ هاهنا هُو كلمةُ مَا لاَ القارعةِ أَيْ أَيُّ شيءٍ عجيبٍ هيَ في الفخامةِ والفظاعةِ وقد وضعَ الظاهرَ موضعَ الضميرِ تأكيدًا للتهويل وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} تأكيد لهولِها وفظاعتِها ببيانِ خروجِها عنْ دائرةِ علومِ الخلق على مَعْنى أنَّ عِظمَ شَأْنِها ومَدَى شِدَّتِها بحيثُ لا تكادُ تنالُه درايةُ أحد حَتَّى يدريكَ بَها وَمَا في حيزِ الرفعِ على الابتداءِ وأدراكَ هو الخبرُ وَلا سبيل إلى العكسِ هاهنا ومَا القارعةُ جملةٌ كما مَرَّ محلّها النصبُ على نزعِ الخافضِ لأنَّ أَدْرى يتعدَّى إلى المفعولِ الثانِي بالباءِ كما في قوله تعالى: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} فلما وقعتْ الجملةُ الاستفهاميةُ معلقةً لهُ كانتْ فِي مَوْقعِ المفعولِ الثانِي له والجملةُ الكبيرةُ معطوفةٌ على ما قبلَها من الجملةِ الواقعةِ خبرًا للمبتدأِ الأولِ أيْ وأيُّ شيءٍ أعلمكَ مَا شأنُ القارعةِ ولما كانَ هذَا منبئًا عن الوعدِ الكريمِ بإعلامِها أنجزَ ذلكَ بقوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} عَلى أنَّ يومَ مرفوعٌ عَلَى أَنَّهُ خبرُ مبتدأٍ محذوفِ وحركتُه الفتحُ لإضافتِه إلى الفعلِ وإنْ كانَ مضارعًا كَما هُو رأيُ الكوفيينَ أيْ هيَ يومٌ يكونُ الناسُ فيهِ كالفراشِ المبثوثِ في الكثرةِ والانتشارِ والضعفِ والذلةِ والاضطرابِ والتطايرِ إلى الداعِي كتطايرِ الفَراشِ إلى النارِ أو منصوبٌ بإضمارِ اذكُرْ كأنَّه قيلَ بعدَ تفخيمِ أمر القارعةِ وتشويقِه عليه الصلاةُ والسلام إلى معرفتِها اذكُرْ يومَ يكونُ الناسِ إلخ فإنَّه يدريكَ ما هيَ هَذا وقد قيلَ: إنه ظرفٌ ناصبُه مضمرٌ يدلُّ عليهِ القارعةُ أيْ تقرعُ يومَ يكونُ الناس إلخ وقيلَ: تقديرُه ستأتيكُم القارعةُ يومَ يكونُ الخ.{وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} أي كالصوفِ الملونِ بالألوانِ المختلفةِ المندوفِ في تفرقِ أجزائِها وتطايرِها في الجوِّ حسبَما نطقَ بهِ قوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} وكِلا الأمرينِ من آثارِ القارعةِ بعد النفخةِ الثانيةِ عندَ حشرِ الخلق يبدلُ الله عزَّ وجلَّ الأرضَ غيرَ الأرضِ ويغيرُ هيئاتِها ويسيرُ الجبالَ عن مقارِّهَا عَلى ما ذُكِرَ منَ الهيئات الهائلةِ ليشاهدَها أهلُ المحشرِ وهيَ وإنْ اندكتْ وتصدعتْ عندَ النفخةِ الأولى لكنْ تسييرها وتسويةَ الأرضِ إنما يكونانِ بعد النفخةِ الثانيةِ كما ينطقُ به قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى} وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} فإن اتّباعَ الداعِي الذي هُو إسرافيلُ عليهِ السلام وبروزُ الخلق لله سبحانه لا يكونُ إلا بعدَ البعثِ قطعًا وقد مرَّ تمامُ الكلامِ في سورةِ النمل وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} إلخ بيانٌ إجماليٌّ لتحزبِ الناسِ إلى حزبينِ وتنبيهٌ على كيفيةِ الأحوالِ الخاصَّةِ بكلِّ منهُمَا إثرَ بيان الأحوالِ الشاملةِ للكُلِّ والموازينُ إمَّا جمعُ الموزونِ وهُوَ العملُ الذي لَهُ وزنٌ وخطرٌ عندَ الله كما قالهُ الفَرَّاءُ أو جمعُ ميزانِ قال ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهَما إنُّه ميزانٌ له لسانٌ وكِفتانِ لا يوزنُ فيهِ إلا الأعمالُ قالوا توضعُ فيه صحائفُ الأعمالِ فينظرُ إليهِ الخلائقُ إظهارًا للمعدلةِ وقطعًا للمعذرةِ وقيل: الوزنُ عبارةٌ عن القضاءِ السويِّ والحكمُ العادلِ وبهِ قال مجاهدٌ والأعمشُ والضحاكُ واختارَهُ كثيرٌ من المتأخرينَ قالوا إنَّ الميزانَ لا يتوصلُ بهِ إلا إِلى معرفةِ مقاديرِ الأجسامِ فكيفَ يمكنُ أن يعرفَ به مقاديرُ الأعمالِ التي هيَ أعراضُ منقضيةٌ وقيلَ: إن الأعمالَ الظاهرةِ في هذهِ النشأةِ بصورٍ عريضةٍ تبرزُ في النشأةِ الآخرةِ بصورٍ جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحُسْنِ والقُبحِ وقد رُوي عنْ ابن عباسِ رصيَ الله عنهما أنَّه يُؤتى بالأعمالِ الصالحةِ على صُورٍ حسنةٍ وبالأعمالِ السيئةِ على صورٍ قبيحةٍ فتوضعُ في الميزانِ أيْ فمَنْ ترجحتْ مقاديرُ حسناتِه.{فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي ذاتُ رِضا أو مرضيةٍ {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ترجحت سيئاته عاى حسناته {فَأُمُّهُ} أيْ فمأواهُ {هَاوِيَةٌ} هيَ من أسماءِ النارِ سميتْ بَه لغايةِ عُمْقِها وبعدِ مَهْواها.رُوىَ أنَّ أهلَ النارِ تهوِي فيها سبعينَ خريفًا وقيلَ إنها اسمٌ للبابِ الأسفل مِنْهَا وعبرَ عنِ المأْوى باللامِ لأَنَّ أهلَها يأوونَ إليَها كما يأوِي الولد إلى أمِه وعنْ قتادةَ وعكرمةَ والكبيِّ أنَّ المعنى فأُمُّ رأسِه هاويةٌ في قعرِ جهنَم لأنَّه يطرحُ فيهَا منكوسًا والأولُ هو الموافقُ لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} فإنه تقريرٌ لهَا بعدَ إبهامِها والإشعارِ بخروجِها عنِ الحدودِ المعهودةِ للتفخيمِ والتهويلِ وهيَ ضميرُ الهاويةِ والهاءُ للسكتِ وإذَا وصلَ القارئُ حذفَها وقيلَ: حقُّه أنْ لا يُدرجَ لئلا يسقطَها الإدراجُ لأنها ثابتةٌ في المصحفِ وقد أجيز إثباتُها مع الوصلِ. اهـ..قال السمرقندي: في الآيات السابقة: قوله تعالى: {القارعة مَا القارعة}يعني: القيامة والساعة ما الساعة وهذا من أسماء يوم القيامة مثل الحاقة والطامة والصاخة، وإنما سميت القارعة لأنها تنزع القلوب بالأهوال ويقال سماها قارعة لثلاثة: لأنها تقرع في أذن العبد بما علم وسمعه والثاني تقرع أركان العبد بعضه في بعض والثالث تقرع القلوب كما تقرع القصار الثوب ثم قال عز وجل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} تعظيمًا لشدتها ثم وصفها فقال: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} يعني: كالجراد كالفراش يجول بعضهم في بعض كما قال في آية أخرى {خُشَّعًا أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7] ويقال شبههم بالفراش لأنهم يلقون أنفسهم في النار كما يلقي الفراش نفسه في النار {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} يعني: كالصوف المندوف وهي تمر مَرَّ السحاب {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} يعني: رجحت حسناته على سيئاته ويقال ثقلت موازينه بالعمل الصالح بالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات {فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} يعني: في عيش مرضي يعني: في الجنة لا موت فيها ولا فقر ولا مرض ولا خوف ولا جنون يعني: آمن من كل خوف وفقر {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} يعني: رجحت سيئاته على حسناته يعني: الكافر ويقال من خفت موازينه يعني: لا يكون له عمل صالح {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} يعني: مصيره إلى النار قال قتادة هي أمهم ومأواهم وإنما سميت الهاوية لأن الكافر إذا طرح فيها يهوي على هامته وإنما سميت أمه لأنه مصيره إليها ومسكنه فيها ثم وصفها فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} تعظيمًا لشدتها ثم أخبر عنها فقال: {نَارٌ حَامِيَةٌ} يعني: حارة قد انتهى حرها وأصله ما هي فأدخلت الهاء للوقف كقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَيَقول هَآؤُمُ اقرؤا كتابيه} [الحاقة: 19] وأصله كتابي قرأ حمزة والكسائي وما أدراك ما هي بغير هاء في الوصل وبالهاء عند الوقف وقرأ الباقون بإثباتها في الوصل والوقف والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ..قال الثعلبي: سورة القارعة:{القارعة مَا القارعة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث}وهي الطير التي تتساقط في النار، المبثوث: المتفرّق.قال الفرّاء: الغوغاء: الجراد يركب بعضه بعضًا من الهول.{وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} كالصوف المصبوغ المبلل.{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} مرضيّة في الجنة.{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} مسكنه ومأواه النار.قال قتادة: هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قال: هوت أُمّه، وقال بعضهم: أرَادَ أُمّ رأسه، يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح.{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} أي مَنْ؟ فقال: {نَارٌ حَامِيَةٌ}.وأخبرنا ابن حامد قال حدّثنا صالح بن محمد قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد عن جعفر ابن زيد عن أنس بن مالك قال: إن ملكًا من ملائكة اللّه عزّ وجلّ موكّل يوم القيامة بميزان ابن آدم، فيجاء به حتى يوقف بين كفتي الميزان، فيوزن عمله فإنْ ثقل ميزانه نادى الملائكة بصوت يسمع جميع الخلق باسم الرجل: ألا سَعُدَ فلان سعادة لا شقاوة بعدها، وإن خفّت موازينه ينادي الملائكة: ألا شقيَ فلان شقاوة لا سعادة بعدها. اهـ..قال الزمخشري: سورة القارعة:مكية.وآياتها 11.نزلت بعد قريش.بسم الله الرحمن الرحيم.[سورة القارعة: الآيات 1- 11] {الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11)}الظرف نصب بمضمر دلت عليه {القارعة}، أى: تقرع {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة، والتطاير إلى الداعي من كل جانب، كما يتطاير الفراش إلى النار.قال جرير:وفي أمثالهم: أضعف من فراشة وأذل وأجهل. وسمى فراشا: لتفرّشه وانتشاره. وشبه الجبال بالعهن وهو الصوف المصبغ ألوانا، لأنها ألوان، وبالمنفوش منه، لتفرق أجزائها.وقرأ ابن مسعود: {كالصوف}. الموازين: جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند اللّه.أو جمع ميزان. وثقلها: رجحانها. ومنه حديث أبى بكر لعمر رضى اللّه عنهما في وصيته له:«وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق وثقلها في الدنيا، وحق لميزان لا توضع فيه إلا الحسنات أن يثقل، وإنما خفت موازين من خفت موازينه لاتباعهم الباطل وخفتها في الدنيا، وحق لميزان لا توضع فيه إلا السيئات أن يخف» {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة: هوت أمّه، لأنه إذا هوى أي سقط وهلك، فقد هوت أمّه ثكلا وحزنا قال: فكأنه قيل. وأما من خفت موازينه فقد هلك. وقيل {هاوِيَةٌ} من أسماء النار، وكأنها النار العميقة لهوى أهل النار فيها مهوى بعيدا، كما روى «يهوي فيها سبعين خريفا» أي فمأواه النار. وقيل للمأوى: أمّ، على التشبيه، لأنّ الأمّ مأوى الولد ومفزعه.وعن قتادة: {فأمّه هاوية}، أي فأمّ رأسه هاوية في قعر جهنم، لأنه يطرح فيها منكوسا {هِيَهْ} ضمير الداهية التي دلّ عليها قوله: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} في التفسير الأوّل. أو ضمير {هاوية} والهاء للسكت، وإذا وصل القارئ حذفها.وقيل: حقه أن لا يدرج لئلا يسقطها الإدراج، لأنها ثابتة في المصحف.وقد أجيز إثباتها مع الوصل.عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القارعة ثقل اللّه بها ميزانه يوم القيامة». اهـ.
|