الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم عاد الناصري إلى سلمية بعد أن مهد أمر الشام واجتمع مع أصحابه النواب فذكروا له أن منطاشًا فرق أصحابه ثلاث فرق فأشار عليهم الناصري بأنه أيضًا يفرق أصحابه وعساكره فتفرقوا هم أيضًا ثلاث فرق: الناصري فرقة والجوباني فرقة وقرادمرداش نائب طرابلس فرقة. فأما الناصري فإنه تولى قتال نعير بن حيار فحاربه وكسره أقبح كسرة وقتل جمعًا كبيرًا من عربانه - على أن نعيرًا كان من أصحاب الناصري قبل ذلك وممن خرج على منطاش غضبًا للناصري - وركب الناصري قفا زهير إلى منازله. وأما الأمير قرادمرداش الأحمدي نائب طرابلس فانتحب لقتال منطاش فإنه كان من بينهما عداوة قديمة فتواقعا وتقاتلا قتالًا شديدًا برز فيه كل من منطاش وقرادمرداش صاحبه وضرب كل منهما الآخر بسيفه فجاءت ضربة منطاش في يد قرادمرداش فقلعت عدة أصابع من أصابعه وجاءت ضربة قرادمرداش في كتف منطاش فحلته. هذا والجوباني في القلب واقف بعساكره فخامرت جماعة من الأشرفية من خجداشية منطاش وجاءت إليه وصارت من عساكره. وكان حضر إلى الجوباني قبل ذلك جماعة أخر من المماليك الأشرفية فأحسن إليهم ألطنبغا الجوباني وقربهم وجعلهم من خواص عسكره فاتفقوا مع بعض مماليك الجوباني على قتل الجوباني فلما كان وقت الوقعة وقد التحم القتال بين الناصري وزهير وبين قرادمرداش ومنطاش وثبوا عليه من خلقه وقتلوه بالسيوف ثم قبضوا على الأمير مأمور القلمطاوي نائب حماة ووسطوه ثم قتلوا الأمير آقبغا الجوهري والثلاثة من عظماء المماليك اليلبغاوية خجداشية الملك الظاهر برقوق وأكابر أمرائه ثم قتلوا عدة أمراء أخر من اليلبغاوية وكانت هذه الوقعة من أعظم الملاحم قتل فيها من الفريقين عالم لا يحصى كثرة وآنتهبت العربان والتركمان والعشير ما كان مع العسكرين وقدم البريد بذلك على السلطان فشق عليه قتل الأمراء إلى الغاية وأخبر البريد أيضًا أن منطاش لما انكسر من قرادمرداش وهو مجروح أشيع موته فأقام الأشرفية عوضه عليهم خجداشهم الأمير ألطنبغا الأشرفي فلما حضر منطاش من الغضب من فلك وأراد قتل ألطنبغا الأشرفي فلم تمكنه الأشرفية من ذلك. وأما يلبغا الناصري فإنه لما رجع من محاربة نعير ووجد الأمير ألطنبغا الجوباني قد قتل جمع العساكر وعاد إلى دمشق وأقام به يومين حتى أصلح أمره ثم خرج من دمشق بجميع العساكر وأغار على آل علي فوسط منهم جماعة كبيرة نحو مائتي نفس ونهب بيوتهم وكثيرًا من جمالهم وعاد إلى دمشق وكتب للسلطان أيضًا بذلك. فكتب السلطان للناصري الجواب بالشكر والثناء والتأسف على الأمير ألطنبغا الجوباني وغيره وأرسل إليه الأمير أبا يزيد بن مراد بالتقليد والتشريف بنيابة الشام عوضًا عن ألطنبغا الجوباني ومبلغ عشرين ألف دينار برسم النفقة في العساكر. قلت: وأبو يزيد هذا هو الذي كان اختفى عنده الملك الظاهر برقوق لما خلع نفسه عند حضور الناصري ومنطاش إلى الديار المصرية. ثم في يوم الخميس أول ذي الحجة من سنة اثنتين وتسعين المذكورة رسم السلطان للأمير قرادمرداش الأحمدي نائب طرابلس باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن الأمير كمشبغا الحموي بحكم عزله وقدومه إلى القاهرة وجهز إليه التقليد والتشريف على يد الأمير تنبك المعروف بتنم الحسني الظاهري. ثم في خامس ذي الحجة استقر السلطان بالأمير إينال من خجا أتابك حلب باستقراره في نيابة طرابلس عوضًا عن الأمير قرادمرداش المنتقل لنيابة حلب واستقر الأمير آقبغا الجمالي الظاهري أتابك حلب عوضًا عن إينال المذكور واستقر الأمير محمد بن سلار حاجب حجاب حلب ثم في يوم عيد النحر خرج الأمير بيليك المحمدي لإحضار الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي نائب حلب ثم أرسل السلطان الملك الظاهر الأمير تمربغا المنجكي بمال كبير ينفقه في العساكر الشامية ويجهزهم إلى عينتاب لقتال منطاش. ثم في
ورد الخبر من دمشق بأن الأمير يلبغا الناصري تنافس هو والأمير الكبير أيتمش البجاسي فأضمر الناصري الخروج عن الطاعة ولبس السلاح وألبس حاشيته ونادى بدمشق: " من كان من جهة منطاش فليحضر " فصار إليه نحو ألف ومائتي فارس من المنطاشية فقبض على الجميع وسجنهم ثم قلع السلاح وكتب بذلك إلى السلطان يعرفه فأجابه السلطان بالشكر والثناء. ثم في ثاني صفر رسم السلطان بهدم سلالم مدرسة السلطان حسن فهدمت وفتح بابها من شباك بالرميلة تجاه باب السلسلة. ثم قدم الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب إلى القاهرة في سابع صفر بعد أن خرج الأمير سودون النائب مع أعيان الأمراء والحجاب إلى لقائه وطلع إلى القلعة وقبل الأرض فقام له السلطان واعتنقه وأجلسه في الميمنة فوق الأمير الكبير إينال اليوسفي ونزل إلى دار أعدت له وبعث له السلطان ثلاثة أرؤس من الخيل بقماش ذهب. وحضر مع كمشبغا أيضًا الأمير. حسام الدين حسن الكجكني نائب الكرك وكان قد انهزم مع كمشبغا نائب حلب من يوم وقعة شقحب فرحب السلطان به أيضًا وأكرمه وأرسل إليه فرسًا بقماش مذهب وقدم معهما أيضًا عدة أمراء أخر. ثم قدم البريد في أثناء ذلك بأن العساكر الشامية وصلت إلى مدينة عينتاب ففر منطاش إلى جهة مرعش وفر من عنده جماعة كبيرة ودخلوا تحت طاعة لسلطان. ثم أحضر السلطان الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة من السجن ضربه بالمقارع وأحضر أيضًا اقبغا المارديني نائب الوجه القبلي وضربه على أكتافه وأمر والي القاهرة بتخليص حقوق الناس منه واستقر عوضه في كشف الوجه القبلي الأمير يلبغا الأحمدي المجنون أحد المماليك الظاهرية. ثم في تاسع عشرينه أحضر السلطان القاضي شهاب الدين أحمد بن الحبال الحنبلي قاضي طرابلس فضرب بين يديه عدة عصي بسبب قيامه مع منطاش. ثم أنعم السلطان على الأمير حسام الدين الكجكني نائب الكرك كان بإقطاع أرغون العثماني البجمقدار نائب الإسكندرية والإقطاع تقدمة ألف بالقاهرة. ثم خرج البريد من مصر بإحضار الأمير أيتمش البجاسي من دمشق - وكان بها من يوم قبض عليه الناصري في واقعة الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق وحبس بقلعة إلى أن أطلق بعد خروج منطاش من دمشق واستمر بدمشق لمصالح الملك الظاهر حتى طلب في هذا التاريخ - وخرج بطلبه الأمير قنق باي الأحمدي رأس نوبة فقدم في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى على البريد فتلقاه الأمير سودون النائب والحجاب. وقدم مع أيتمش المذكور عدة أمراء منهم: آلابغا العثماني حاجب حجاب دمشق والأمير أيتمش المذكور والأمير جنتمر أخو طاز نائب دمشق كان وأمير ملك ابن أخت جنتمر ودمرداش اليوسفي وألطنبغا الحلبي وكثير من المماليك السلطانية وجماعة أخر والجميع في الحديد على ما يأتي ذكرهم ما خلا المماليك الظاهرية. وطلع الأمير أيتمش إلى السلطان وقبل الأرض فأكرمه السلطان وأجلسه في الميسرة تحت الأمير سودون النائب وكانت منزلته في الميمنة فإنه كان أتابك العساكر بالديار المصرية قبل توجهه إلى قتال الناصري لكنه لما حضر الآن كان بطالًا وكان الأتابك يومئذ الأمير إينال اليوسفي اليلبغاوي على أنه يجلس تحت الأمير الكبير كمشبغا الحموي نائب حلب كان فلو جلس الأمير أيتمش الآن في الميمنة لجلس ثالثًا فإنه لا يمكنه الجلوس فوق إينال كونه متوليًا أتابك العساكر وأيتمش الآن منفصل فرسم له السلطان أن يجلس في الميسرة ولم يجسر أن يأمره بالجلوس فوقه قلت: وهذا شأن الدنيا الرفع والخفض. ثم أحضر السلطان الأمراء القادمين صحبة الأمير الكبير أيتمش وعدتهم ستة وثلاثون أميرًا ومعهم أيضًا قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي الشافعي قاضي قضاة دمشق والقاضي فتح الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن الشهيد كاتب سر دمشق وابن شكر ناظر جيش دمشق والجميع في القيود فوبخ السلطان ألطنبغا الحلبي وجنتمر نائب الشام وابن القرشي وأطال الحديث معهم وكانوا قابلوه في محاربته دمشق بأشياء قبيحة إلى الغاية وأفحشوا في أمره إفحاشًا زائدًا بحيث إن القاضي شهاب الدين القرشي المذكور كان يقف على سور دمشق وينادي: إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة وكان يجمع عوام دمشق ويحرضهم على قتاله ويرمي الملك الظاهر بعظائم في دينه ويختلق عليه ما ليس هو فيه. ثم أمر بهم الملك الظاهر فسجنوا وأسلم ابن شكر لشاد الدواوين فعصره وألزمه بحمل ستة آلاف دينار ثم أفرج عنه. ولما نزل الأمير أيتمش إلى داره بعث إليه السلطان بأشياء كثيرة نق الخيل والجمال والقماش والمماليك ثم قبض السلطان على أسندمر وإسماعيل التركماني وكزل القرمي وآقبغا البجاسي وسربغا وسلمهم إلى والي القاهرة. ثم قبض السلطان أيضًا على أحد عشر أميرًا وهم: قطلوبغا الطشتمري الحاجب وطقطاي الطشتمري الطواشي الرومي وآلابغا الطشتمري وقرابغا السيفي وآقبغا السيفي وبيبغا السيفي وطيبغا السيفي ومحمد بن بيدمر أتابك دمشق وخير بك الخوارزمي ومنجك الزيني وأرغون شاه السيفي وحبسهم رسم بتسمير أسندمر الشرفي رأس نوبة واقبغا الظريف البجاسي وإسماعيل التركماني وكزل القرمي وسربغا فسمروا وشهروا بالقاهرة. ثم وسطوا بالكوم هذا شيء لم يفعله ملك قبله بأمير ففعل ذلك لما كان في نفسه منهم. ثم أحضر السلطان الأمير ألطنبغا الحلبي وألطنبغا أستادار جنتمر إلى مجلس تاضي القضاة شمس الدين الركراكي المالكي وادعى عليهما بما يقتضي القتل فسجنهما القاضي بخزانة شمائل مقيدين. ثم قبض السلطان على الأمير سنجق الحسني نائب طرابلس كان ثم شكا رجل القاضي شهاب الدين القرشي إلى السلطان فأحضره السلطان من السجن وادعى عليه غريمه بمال له في قبله وبدعاوى شنيعة فأمر به السلطان فضرب بالمقارع وسلم إلى والي القاهرة ليخلص منه مال المدعي عليه فضربه الوالي وأهانه وعصره مرارًا ثم سجنه بخزانة شمائل. ثم وقف شخص وادعى أن أمير ملك ابن أخت جنتمر أخذ له ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش حتى ضربه بالمقارع فأحضره السلطان حتى سمع الدعوى. ثم أمر به فضرب بالمقارع ضربًا مبرحًا وسلمه إلى والي القاهرة فمات بعد ثلاثة أيام تحت العقوبة. ثم قبض السلطان على مماليك الأمير بركة الجوباني والمماليك الذين خدموا عند منطاش وتتبعوا من الأماكن ثم ضرب والي القاهرة القاضي شهاب الدين أحمد القرشي نحو مائتي شيب. ثم قدم البريد من الشام بأن منطاشًا في أول شهر رجب قدم دمشق. وكان من خبر منطاش أن الناصري لما كان بدمشق ورد عليه الخبر بمجيء منطاش إليه فخرج من وقته بعساكره يريد لقاءه على حين غفلة ومر من طريق الزبداني فبادر أحمد بن شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان ونهب إسطبل الناصري وإسطبلات أمراء دمشق وخرج يوم الأحد تاسع عشرين جمادى الآخرة من دمشق ليلحق منطاش فدخل منطاش من صبيحة اليوم وهوى يوم الاثنين أول رجب إلى دمشق من طريق آخر ونزل بالقصر الأبلق ونزل جماعته حوله فعاد ابن شكر في إثره إلى دمشق وأحضر إليه الخيول التي أخذها وهي نحو ثمانمائة فرس. وكان منطاش لما خرج من عند نعير يريد دمشق سار إلى مرعش على العمق حتى قدم على حماة فطرق نائبها بغتة فانهزم نائب حماة إلى نحو طرابلس من غير قتال فدخل منطاش حماة ولم تحدث بها مظلمة. ثم توجه منها إلى حمص ففر منها أيضًا نائبها إلى دمشق ومعه نائب بعلبك واجتمعا بالناصري وعرفاه الخبر فخرج الناصري على الفور - كما قدمنا ذكره - من طريق وجاء منطاش من طريق آخر. انتهى. ثم إن منطاشًا لما أقام بالقصر الأبلق ندب أحمد بن شكر المذكور ليدخل إلى مدينة دمشق ويأخذ من أسواقها المال فبينما هو في ذلك إذ قدم الناصري بعساكره فاقتتلا قتالًا عظيمًا دام بينهم أيامًا إلى أواخر الشهر وقتل كثير من الفريقين والأكثر ممن كان مع منطاش وفر عن منطاش معظم التركمان الذين قدموا معه شيئًا بعد شيء وصار منطاش محصورًا بالقصر الأبلق والقتال عمال بينهم في كل يوم حتى وجد منطاش له فرصة ففر إلى جهة التركمان وتبعه عساكر دمشق فلم يحركه أحد فعظم هذا الخبر على الملك الطاهر برقوق إلى الغاية واتهم الناس الناصري بالتراخي في قتال منطاش. ثم إن الملك الظاهر خلع على الأمير قطلوبغا الصفوي باستقراره حاجب الحجاب بديار مصر وعلى الأمير بتخاص باستقراره حاجب ميسرة وعلى الأمير قديد باستقراره حاجبًا ثالثًا بإمرة طبلخاناه وعلى الأمير علي باشاه باستقراره حاجبًا رابعًا وخلع على الأمير يلبغا الأشقر الأمير آخور باستقراره في نيابة غزة عوضًا عن اتحا الصغير بحكم طلبه إلى القاهرة وعلى ناصر الدين محمد بن شهري في نيابة ملطية. ثم خلع السلطان على الأمير أرغون شاه الإبراهيمي الظاهري الخازندار باستقراره حاجب حجاب دمشق عوضًا عن آلابغا العثماني واستقر آلابغا العثماني المذكور في نيابة حماة. قلت: وكل من نذكره من هذا الوقت وننعته بالظاهري فهو منسوب إلى الملك الظاهر برقوق ولا حاجة للتعريف بعد ذلك. ثم أنعم السلطان على كل من قاسم ابن الأمير الكبير كمشبغا الحموي ولاجين الناصري وسودون العثماني النظامي وأرغون شاه الأقبغاوي وسودون من باشاه الطغاي تمري وشكر باي العثماني الظاهري وقجق القرمشي الظاهري بإمرة طبلخاناه وعلى كل من قطلوبغا الطقتمشي وعبد الله أمير زاه ابن ملك الكرج وكزل الناصري وعلان اليحياوي الظاهري وكمشبغا الإسماعيلي الظاهري وقلمطاي العثماني الظاهري بإمرة عشرة. ثم في تاسع شهر رجب ضرب القاضي شهاب الدين القرشي قاضي قضاة دمشق بخزانة شمائل حتى مات تحت العقوبة من ليلته وأخرج على وقف الطرحى. ثم في خامس عشر رجب اجتمع القضاة والأمير بتخاص الحاجب بالمدرسة الصالحية بين القصرين وأحضر الأمير ألطنبغا دوادار جنتمر وأوقف تحت الشباك عند خيمة الغلمان على الطريق وادعي عليه بما اقتضى إراقة دمه وشهد عليه وضربت رقبته ثم فعل بالأمير ألطنبغا الحلبي مثله وحملت رؤوسهما على رمحين ونودي عليهما بشوارع القاهرة. ثم رسم السلطان في أول شعبان بخروج تجريدة من الأمراء إلى الشام لتكون معاونة للناصري على قتال منطاش فأخذ من عين للسفر في التجهيز ثم أشيع سفر السلطان بنفسه وأخذ أرباب الدولة في إصلاح أمر السفر. ثم في خامس شعبان قتل السلطان الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة كان. وسببه أنه لما عوقب واستمر محبوسًا بخزانة شمائل جمع ولده كثيرًا من العشير ونهب الرملة وقتل كثيرًا من الناس فلما بلغ السلطان ذلك أمر بقتله فقتل. ثم ضرب السلطان الأمير حسام الدين حسين بن علي الكوراني في سجنه بخزانة شمائل بالمقارع ضربًا مبرحًا. ثم في عاشر شعبان علق السلطان جاليش السفر إلى بلاد الشام فتحقق كل أحد عند ذلك بسفر السلطان. وأصبح من الغد وهو يوم حادي عشر شعبان تسلم الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي والي القاهرة الأمير صراي تمر دوادار منطاش الذي كان والي الغيبة بديار مصر وكان سكن بباب السلسلة والأمير تكا الأشرفي ودمرداش القشتمري ودمرداش اليوسفي وعليًا الجركتمري فقتلوا جميعًا إلا عليًا الجركتمري فإنه عصر وعوقب ثم قتل - بعد ذلك مع الأمير قطلوبغا النظامي نائب صفد. ثم في ثاني عشره عرض السلطان المحابيس من المنطاشية فأفرد منهم جماعة كبيرة للقتل فقتلوا في ليلة الأحد ثالث عشرة منهم الأمير جنتمر أخو طاز نائب الشام والأمير ألطنبغا الجربغاوي والطواشي طقطاي الطشتمري الرومي القاضي فتح الدين محمد بن الشهيد كاتب سر دمشق ضربت أعناقهم بالصحراء. ثم خلع السلطان في يوم خامس عشر شعبان على القاضي جمال الدين حمود القيصري العجمي وأعيد إلى قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية وصرف قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل ونزل في موكب جليل وكتب له في توقيعه الجناب العالي كما كتب للقاضي عماد الدين أحمد الكركي. وكان سبب كتابة ذلك لعماد الدين أيادي سلفت له على الملك الظاهر برقوق في أيام حبسه في الكرك وأيضًا اعتنى به أخوه القاضي علاء الدين الكركي كاتب السر الشريف وهو أول من كتب له: الجناب العالي من المتعممين وما كان يكتب ذلك لا للوزير بديار مصر فقط وكان يكتب للقضاة بالمجلس العالي. ثم في ثامن عشر شعبان المذكور قبض السلطان على عدة من الأمراء فسجنوا بالقلعة فكان وفيه عين السلطان لنيابة الغيبة الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي ورسم لأمير سودون الفخري الشيخوني النائب أن يتحول إلى قلعة الجبل فتحول إليها هو والأمير بجاس النوروزي. ورسم السلطان بأن يقيم بالقلعة أيضًا ستمائة مملوك أميرهم تغري بردي اليشبغاوي الظاهري رأس نوبة - أعني الوالد - والأمير الطواشي صواب السعدي شنكل مقدم المماليك السلطانية وتعين للإقامة بالقاهرة من الأمراء الأمير قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب والأمير بتخاص السودوني الحاجب الثاني والأمير قديد القلمطاوي الحاجب الثالث وأحد أمراء الطبلخاناه االأمير طغاي تمر باشاه الحاجب وقرابغا الحاجب في عدة من الأمراء العشرات. ورسم للشيخ سراج الدين عمر البلقيني وقاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء وهو غير قاض والقاضي بحر الدين محمد بن فضل الله العمري المعزول عن كتابة السر وقضاة العسكر ومفتي دار العدل بالسفر صحبة السلطان من جملة القضاة الأربعة فتجهزوا لذلك. ونزل السلطان بعد صلاة الظهر في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شعبان المذكور من قلعة الجبل وتوجه حتى نزل بالريدانية خارج القاهرة وأقام به. ثم طلب من الغد سائر المسجونين بخزانة شمائل إلى الريدانية فحضروا وعرضوا على السلطان فأفرد منهم سبعة وثلاثين رجلًا فأمر بثلاثة منهم فغرقوا في النيل: وهم محمد بن الحسام أستادار أرغون أسكي وأحمد بن النقوعي ومقبل الصفوي وسمر منهم سبعة وهم: شيخ الكريمي وأسندمر نائب قلعة الجبل وثلاثة من أمراء الشام واثنان من التركمان ثم وسطوا ثم قتل من بقي منهم في السجن. ثم في رابع عشرينه استقر ناصر الدين محمد بن كلبك شاد الدواوين وأنعم على الأمير أبي بكر بن سنقر الجمالي بإمرة طبلخاناه ورسم له بإمرة الحاج. ثم رحل السلطان الملك الظاهر بعساكره من الريدانية في سادس عشرين شعبان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. بعد سفر السلطان من الريدانية قتل والي القاهرة اثني عشر أميرًا من الأمراء المسجونين بالقاهرة في ليلة الثلاثاء وهم: أرغون شاه السيفي وآلابغا الطشتمري وآقبغا السيفي وبزلار الخليلي وآخرون. ثم في ليلة الأربعاء سلخه قتل الأمير سنجق الحسني نائب حماة ثم طرابلس وقرابغا السيفي ومنصور حاجب غزة. وأظن هؤلاء هم تمام السبعة والثلاثين نفرًا الذين عرضهم السلطان بالريدانية. والله أعلم. ثم استقل السلطان بالمسير إلى نحو البلاد الشامية حتى دخل دمشق في يوم خميس ثاني عشرين شهر رمضان وقد زينت له دمشق وخرج الأمير يلبغا ناصري نائب الشام إلى لقائه بمنزلة اللجون فكان لدخوله إلى دمشق يوم مشهود. وحمل الناصري على رأسه القبة والطير. وعند دخول السلطان إلى دمشق نادى فيها بالأمان لأهل دمشق فإنهم كانوا قاموا مع منطاش قيامًا عظيمًا فحشوا في أمر الملك الظاهر وقتاله. ثم في يوم ثالث عشرين شهر رمضان صلى السلطان صلاة الجمعة بجامع دمشق وعندما فرغ السلطان من الصلاة نادى الجاويش في الناس بالأمان " والماضي لا يعاد ونحن من اليوم تعارفنا " فضج الناس بالدعاء للسلطان خرجوا من بيوتهم إلى معايشهم وحوانيتهم وأمنوا بعد أن كانوا في وجل وخوف هم مترقبون ما يحل بهم منه لما وقع منهم في حقه في السنة الماضية لما حضر منطاش ومبالغتهم في سبه ولعنه واستمرارهم على قتاله. وأما الأمير كمشبغا نائب الغيبة فإنه عمل النيابة على أعظم حرمة حتى إنه نادى في تاسع عشرين شهر رمضان بمنع النساء في يوم العيد من الخروج إلى ترب ومن خرجت وسطت هي والمكاري وألا يركب أحد في مركب للتفرج على النيل وأشياء كثيرة من هذا النموذج فلم يجسر أحد على مخالفته. ثم نادى ألا تلبس امرأة قميصًا واسع الأكمام ولا يزيد تفصيل القميص على أكثر من أربعة عشر ذراعًا وكان النساء بالغن في سعة القمصان حتى كان يفصل قميص الواحد من اثنين وسبعين ذراعًا من القماش فمشى ذلك وفصلوا قمصانًا سموها كمشبغاوية. ورأيت أنا القمصان وأما السلطان الملك الظاهر برقوق فإنه أقام بدمشق إلى ثاني شوال وخرج منه يريد مدينة حلب فسار بعساكره حتى وصلها في ثاني عشرين شوال بعد أن أقام بمدينة حمص وحماة أيامًا كثيرة وأعاد السلطان القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله إلى كتابة السر لضعف القاضي علاء الدين الكركي. وعندما دخل السلطان إلى حلب ورد عليه الخبر أن سالمًا الدوكاري قبض على الأمير منطاش وأن صاحب ماردين قبض أيضًا على جماعة من المنطاشية فسر السلطان بذلك وبعث بالأمير قرا الأحمدي نائب حلب في عساكر حلب لإحضار منطاش من عند سالم الدوكاري فسار قرادمرداش حتى وصل إلى سالم الدوكاري وأقام عنده أربعة أيام يطالبه بتسليم منطاش وهو يماطله فحنق منه قرادمرداش وركب بمن معه من العساكر ونهب بيوته وقتل عدة من أصحابه وفر سالم بمنطاش إلى سنجار وامتنع بها. وفي عقب ذلك وصل الأمير يلبغا الناصري نائب الشام إلى بيوت سالم الدوكاري فأنكر على قرادمرداش ما وقع منه في حق سالم وأغلظ له في القول وهم أن يضربه بالسيف فدخل بعض الأمراء بينهما حتى سكن ما به وكادت الفتنة أن تقوم بينهما ويعود الأمر على ما كان عليه أولًا. وأما الأمير الكبير إينال اليوسفي فإنه وجهه السلطان إلى صاحب ماردين فسار إلى رأس عين وتسلم منه الجماعة المقبوض عليهم من المنطاشية وعاد بهم إلى السلطان وكبيرهم الأمير قشتمر الأشرفي وبكتاب صاحب ماردين وهو يعتذر فيه ويعد بتحصيل غريم السلطان فكتب له الجواب بالشكر والثناء. وأما السلطان لما بلغه ما جرى بين يلبغا الناصري نائب الشام وبين قرادمرداش الأحمدي نائب حلب وعودهما من غير طائل غلب على ظنه صحة ما نقل عن يلبغا الناصري قبل تاريخه أن قصده مطاولة الأمر بين الملك الظاهر وبين منطاش وأن منطاش لم يحضر إلى دمشق فيما مضى إلا بمكاتبته له بقدومه وأنه طاوله في القتال أعني: لما كان نزل منطاش بالقصر الأبلق بميدان دمشق ولو شاء الناصري لكان أخذه في أقل من ذلك وأن رسل الناصري كانت ترد على منطاش في كل ليلة بما يأمره به وأن سالمًا الدوكاري لم يدخل بمنطاش إلى سنجار إلا بمكاتبته. وقوي الشك عند الملك الظاهر برقوق وتحركت عنده تلك الكمائن القديمة من خروجه عليه وخلعه من الملك وحبسه بالكرك وكل ما هو فيه إلى الآن من الشرور والفتن فالناصري هو السبب فيها. وسكت السلطان حتى قدم الناصري إلى حلب فقبض عليه وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن المهمندار نائب حماة وعلى الأمير كشلي أمير آخور الناصري والشيخ حسن رأس نوبته وسجن الجميع بقلعة حلب ثم قتلهم من ليلته بقلعة حلب. وكان الناصري من أجل الأمراء ومن أكابر مماليك الأتابك يلبغا العمري وقد تقدم من أمره في ترجمة الملك الظاهر برقوق الأولى وفي ترجمة الملك المنصور حاجي وما وقع له مع منطاش وغيره ما يغني عن التعريف به هنا ثانيًا. قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي في تاريخه في حق يلبغا الناصري المذكور: وكان من ابتداء إنشائه من أيام الملك الناصر حسن إلى آخر عمره على فتنة وسوء رأي وتدبير وشؤم حتى قيل: إنه ما كان مع قوم في أمر من الأمور إلا وقد حصل لهم العكس وشوهد ذلك منه كان مع أستاذه يلبغا الخاصكي العمري فانكسر ثم أسندمر الناصري فغلب وانقهر ثم مع الأشرف شعبان بن حسين فقتل ثم مع الأمير بركة فخذل انتهى كلام العيني. قلت: نصرته على الملك الظاهر برقوق وأخذه مملكة الديار المصرية وحبسه للملك الظاهر برقوق بالكرك بكل ما قاله العيني وقد فات العيني أيضًا كسرة الناصري من منطاش بباب السلسلة وحبس منطاش له لأن قضيته مع منطاش كانت أعظم شاهد للعيني فيما رماه به من الشؤم. انتهى. ثم عزل الملك الظاهر الأمير قرادمرداش عن نيابة حلب وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير بطا الطولوتمري الظاهري الدوادار الكبير بحكم انتقال بطا إلى نيابة الشام عوضًا عن الأمير الكبير يلبغا الناصري المقدم ذكره وخلع السلطان على بطا المذكور وعلى جلبان الكمشبغاوي الظاهري رأس نوبة النوب المعروف بقراسقل باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن قرادمرداش الأحمدي في يوم واحد وهما أول من ترقى من مماليك الملك الظاهر إلى الرتب وولي الأعمال الجليلة. ثم خلع الملك الظاهر على الأمير فخر الدين إياس الجرجاوي باستقراره في نيابة طرابلس وأخلع على الأمير دمرداش المحمدي الظاهري بنيابة حماة وخلع على الأمير أبي يزيد بن مراد الخازن باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن بطا المنتقل إلى نيابة الشام وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه لما لأبي يزيد المذكور على السلطان من الأيادي عندما اختفى عنده في محنة الناصري ومنطاش. ثم أنعم السلطان على الأمير تنبك اليحياوي الظاهري بإقطاع جلبان قراسقل المنتقل إلى نيابة حلب. ثم خرج السلطان من حلب في يوم الاثنين أول ذي الحجة عائدًا إلى دمشق فدخلها في ثالث عشرين ذي الحجة وقتل بها يوم دخوله الأمير ألابغا العثماني الدوادار الكبير كان والأمير سودون باق أحد مقدمي الألوف أيضًا وسمر ثلاثة عشر أميرًا منهم الأمير أحمد بن بيدمر أتابك دمشق وأحمد بن أمير علي المارديني أحد مقدمي الألوف بدمشق ويلبغا العلائي وقنق باي السيفي نائب ملطية وكمشبغا السيفي نائب بعلبك وغريب الخاصكي أحد أمراء الطبلخاناه بمصر وقرا بغا العمري وجماعة أخر ووسطوا الجميع. وأقام السلطان بدمشق وأهلها على تخوف عظيم منه إلى أن خرج منها في العشر الأخير من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة عائدًا إلى الديار المصرية فسار بعساكره حتى دخل مدينة غزة في يوم الجمعة ثالث محرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة فعند ذلك نودي بالقاهرة بالزينة لقدومه فزينت أعظم زينة إلى يوم ثالث عشر المحرم فقدم البريد من السلطان إلى مصر بالخروج إلى ملاقاته إلى بلبيس فخرج الأمير كمشبغا الحموي نائب الغيبة ومعه الأمير سودون الشيخوني النائب وبقية الأمراء وساروا حتى وافوا السلطان بمدينة بلبيس فقبلوا الأرض بين يديه وعادوا في ركابه حتى نزل السلطان العكرشة وأقام بها إلى ليلة الجمعة ثم رحل في صبيحة الجمعة سابع عشر المحرم فخرج من القاهرة سائر الطوائف إلى لقائه ومشوا في خدمته وقد اصطفت لناس لرؤيته إلى أن طلع إلى القلعة يوم الجمعة المذكور في موكب جليل إلى الغاية وكان لطلوعه يوم مشهود. ولما طلع إلى القلعة جلس بالقصر وخلع على الأمراء وأرباب الوظائف. ثم قام ودخل إلى الدور السلطانية فاستقبله المغاني والتهاني وفرشت الشقق الحرير تحت أقدامه ونثر على رأسه الذهب والفضة هذا وقد تخلق غالب أهل القلعة بالزعفران. فلم يمض بعد ذلك إلا أيام يسيرة وقدم البريد من دمشق في يوم خامس عشرينه بسيف الأمير بطا الطولوتمري الظاهري نائب الشام - وبطا هذا هو خرج من سجن القلعة وملك باب السلسلة في غيبة الملك الظاهر برقوق حسب ما ذكرناه في وقته من هذا الكتاب واتهم الملك الظاهر في موته - فخلع السلطان في يوم سابع عشرينه على الأمير سودون طرنطاي بنيابة دمشق عوضًا عن بطا المذكور. ثم في يوم الإثنين ثاني عشر صفر قبض السلطان على الأمير قرادمرداش الأحمدي اليلبغاوي المعزول قبل تاريخه عن نيابة حلب وعلى الأمير ألطنبغا المعلم نائب الإسكندرية وهو أيضًا يلبغاوي وسجنا بالبرج من القلعة. وقرادمرداش هذا هو الذي كان الملك الظاهر خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار فأخذها قرادمرداش وخامر عليه وتوجه إلى الناصري ومنطاش فأسر له السلطان ذلك إلى يوم قبض عليه فذكرها للأمراء وقد ذكرنا ذلك كله مفصلًا في ترجمة الملك الظاهر الأولى.
|