الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وقال غيره: وكان يعرف أيضًا قلاوون الآقسنقري الكاملي الصالحي النجمي لأن الأمير آق سنقر الكاملي كان اشتراه من تاجره بألف دينار ثم مات الأمير آق سنقر المذكور بعد مدة يسيرة فارتجع هو وخشداشيته إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب في سنة سبع وأربعين وستمائة وهي السنة التي مات فيها الملك الصالح أيوب وهذا القول هو الصحيح في أصل مشتراه. قلت: ولما طلع الملك المنصور قلاوون إلى قلعة الجبل ميتًا أخذوا في تجهيزه وغسله وتكفينه إلى أن تم أمره وحملوه وأنزلوه إلى تربته ببين القصرين فدفن بها. وكانت مدة ملكه إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر رحمه الله تعالى وكان سلطانًا كريمًا حليمًا شجاعًا مقدامًا عادلًا عفيفًا عن سفك الدماء مائلًا إلى فعل الخير والأمر بالمعرف وله مآثر كثيرة: منها البيمارستان الذي أنشأه ببين القصرين وتمم عمارته في مدة يسيرة وكان مشد عمارته الأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوري وزير الديار المصرية ومشد دواوينها ثم ولي نيابة دمشق ونهض بهذا العمل العظيم وفرغ منه في أيام قلائل ولما كمل عمارة الجميع امتدحه معين الدين ابن تولوا بقصيدة أولها: الكامل قلت: وهذا البيمارستان وأوقافه وما شرطه فيه لم يسبقه إلى ذلك أحد قديمًا ولا حديثًا شرقًا ولا غربًا. وجدد عمارة قلعة حلب وقلعة كركر وغير موضع. وأما غزواته فقد ذكرناها في وقتها. وجمع من المماليك خلقًا عظيمًا لم يجمعهم أحد قبله فبلغت عدتهم اثني عشر ألفًا وصار منهم الأمراء الكبار والنواب ومنهم من تسلطن من بعده على ما يأتي ذكره. وتسلطن أيضًا من ذريته سلاطين كثيرة آخرهم الملك المنصور حاجي الذي خلعه الملك الظاهر برقوق. وأعظم من هذا أنه من تسلطن من بعده من يوم مات إلى يومنا هذا إما من ذريته وإما من مماليكه أو مماليك مماليك أولاده وذريته لأن يلبغا مملوك السلطان حسن وحسن بن محمد بن قلاوون وبرقوق مملوك يلبغا والسلاطين بأجمعهم مماليك برقوق وأولاده. انتهى. وكان من محاسن الملك المنصور قلاوون أنه لا يميل إلى جنس بعينه بل كان ميله يتخيل فيه النجابة كائنًا من كان. قلت: ولهذا طالت مدة مماليكه وذريته باختلاف أجناس مماليكه وكانت حرمته عظيمة على مماليكه لا يستطيع الواحد منهم أن ينهر غلامه ولا خادمه خوفًا منه ولا يتجاهر أحد منهم بفاحشة ولا يتزوج إلا إن زوجه هو بعض جواريه هذا مع كثرة عددهم. قلت رحمه الله تعالى: لو لم يكن من محاسنه إلا تربية مماليكه وكف شرهم عن الناس لكفاه ذلك عند الله تعالى فإنه كان بهم منفعة للمسلمين ومضرة للمشركين وقيامهم في الغزوات معروف وشرهم عن الرعية مكفوف بخلاف زماننا هذا فإنه مع قلتهم وضعف بنيتهم وعدم شجاعتهم شرهم في الرعية معروف ونفعهم عن الناس مكفوف هذا مع عدم التجاريد والتقاء الخوارج وقلة الغزوات فإنه لم يقع في هذا القرن وهو القرن التاسع لقاء مع خارجي غير وقعة تيمور وافتضحوا منه غاية الفضيحة وسلموا البلاد والعباد وتسحب أكثرهم من غير قتال. وأما الغزوات فأعظم ما وقع في هذا القرن فتح قبرس وكان النصر فيها من الله سبحانه وتعالى انكسر صاحبها وأخذ من جماعة يسيرة تلقاهم بعض عساكره. خذلان من الله تعالى وقع ذلك كله قبل وصول غالب عسكر المسلمين. وأما غير ذلك من الغزوات فسفر في البحر ذهابًا فكيف لو كان هؤلاء أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب عندما غزا الساحل وغاب عن الديار المصرية نحو العشر سنين لا يفارق فيها الخيم والتشتت عن الأوطان واتصال الغزوة بالغزوة أو لو كانوا أيام الملك الكامل محمد لما قاتل الفرنج على دمياط نحو الثلاث سنين لم يدخل فيها مصر إلى أن فتح الله عليه أو لو كانوا أيام الملك الظاهر بيبرس وهو يتجرد ويغزو في السنة الواحدة المرة والمرتين والثلاث وهلم جرا إلى أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين لما أخذت الإسكندرية. وهذا شيء معروف لا يشاح فيه أحد. وأعجب من هذا كله أن أولئك كانوا على حظ وافر من الأدب والحشمة والتواضع مع الأكابر وإظهار الناموس وعدم الازدراء بمن هو دونهم وهؤلاء آست في الماء وأنف في السماء لا يهتدي أحدهم لمسك لجام الفرس وإن تكلم تكلم بنفس ليس لهم صناعة إلا نهب البضاعة يتقوون على الضعيف ويشرهون حتى في الرغيف جهادهم الإخراق بالرئيس وغزوهم في التبن والدريس وحظهم منقام ولا مروءة لهم والسلام. انتهى.
: اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب من الملك الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب بألف دينار فلذلك سمي بالألفي. قلت: وهذا بخلاف ما نقله الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في أن الذي اشتراه بألف دينار إنما هو الأمير آق سنقر الكاملي والأرجح عنده ما قاله الصفدي في أن الذي اشتراه بألف دينار إنما هو الأمير آق سنقر من وجوه عديدة. قال ابن كثير أيضا: وكان الملك المنصور قد أفرد من مماليكه ثلاثة آلاف وسبعمائة مملوك من الأمراء والجراكسة وجعلهم بالقلعة وسماهم البرجية وأقام نوابه في البلدان من مماليكه وهم الذين غيروا ملابس الدولة الماضية. قال الصلاح الصفدي: ولبسوا أحسن الملابس لأن في الدولة الماضية الصلاحية كان الجميع يلبسون كلوتات صفر مضربة بكلبندات بغير شاشات وشعورهم مضفورة دبابيق في أكياس حرير ملونة وكان في خواصرهم موضع الحوائص بنود ملونة أو بعلبكية وأكمام أقبيتهم ضيقة على زي ملابس الفرنج وأخفافهم برغالي أو سقامين ومن فوق قماشهم كمرات بحلق وإبزيم وصوالقهم كبار يسع كل صولق نصف ويبة أو أكثر ومنديلهم كبير طوله ثلاث أذرع فأبطل المنصور ذلك كله بأحسن منه. وكانت الخلع للأمراء المقدمين المروزي فخصص الملك المنصور من الأمراء بلبس الطرد وحش أربعة من خشداشيته وهم: سنقر الأشقر الذي كان تسلطن ولقب بالملك الكامل والبيسري والأيدمري والأفرم. وباقي الأمراء والخاصكية والبرانية تلبس المروزي والطبلخاتات بالملون والعشرات بالعتابي. . قلت: وهذا أيضًا بخلاف زماننا فإنه لبس فيه أوباش الناس الخلع السنية وأعجب من هذا أنه لما لبس هؤلاء الخلع السنية تلك الأبهة والحشمة عن الخلع المذكورة وصارت كمن دونها من الخلع في أعين الناس لمعرفتهم بمقام اللابس. انتهى. قلت: والآن نذكر ما وعدنا بذكره في أوائل ترجمة الملك المنصور قلاوون من أمر كتاب السر لأنه هو الذي أحدث هذه الوظيفة وسمى صاحبها بكاتب السر على ما نبينه من أقوال كثيرة: منها أنه لما كان أيام الملك الظاهر بيبرس كان الدوادار يوم ذاك بلبان بن عبد الله الرومي. قال الشيخ صلاح الدين خليل الصفدي: كان من أعيان الأمراء - يعني عن بلبان المذكور - ومن نجبائهم وكان الملك الظاهر بيبرس يعتمد عليه ويحمله أسراره إلى القصاد. ولم يؤمره إلا الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس. واستشهد بمصاف حمص سنة ثمانين وستمائة وكان يباشر وظيفة الدوادارية ولم يكن معه كاتب سر فاتفق أنه قال يومًا لمحيي الدين بن عبد الظاهر: اكتب إلى فلان مرسومًا أن يطلق له من الخزانة العالية بدمشق عشرة آلاف درهم نصفها عشرون ألفًا فكتب المرسوم كما قال له وجهزه إلى دمشق فأنكروه وأعادوه إلى السلطان وقالوا: ما نعلم هل هذا المرسوم بعشرين نصفها عشرة أو بعشرة نصفها خمسة فطلب السلطان محيي الدين وأنكر عليه ذلك فقال: يا خوند هكذا قال لي الأمير سيف الدين بلبان الدوادار فقال السلطان: ينبغي أن يكون للملك كاتب سر يتلقى المرسوم منه شفاها. وكان الملك المنصور قلاوون حاضرًا من جملة الأمراء فسمع هذا الكلام. وخرج الملك الظاهر عقيب ذلك إلى نوبة أبلستين فلما توفي الملك الظاهر وملك المنصور قلاوون اتخذ كاتب سر. انتهى. كلام الصفدي باختصار. قلت: وفي هذه الحكاية دلالة على أن وظيفة كتابة السر لم تكن قبل ذلك أبدًا لقوله: ينبغي للملك أن يكون له كاتب سر يتلقى المرسوم منه شفاها. وأيضًا تحقيق ما قلناه: إن وظيفة كتابة السر لم تكن قديمًا وإنما كانت الملوك لا يتلقى الأمور عنهم إلا الوزراء. قضية فخر الدين بن لقمان مع القاضي فتح الدين محمد بن عبد الظاهر في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون وهو أنه لما توزر فخر الدين بن لقمان قال له الملك المنصور: من يكون عوضك في الإنشاء قال: فتح الدين ابن عبد الظاهر فولى فتح الدين وتمكن عند السلطان وحظي عنده وفتح الدين هذا هو الذي قلنا عنه في أول الكتاب إنه أول كاتب سر كان وظهر اسم هذه الوظيفة من ثم. انتهى. وحظي فتح الدين عند السلطان إلى الغاية. فلما كان بعض الأيام دخل فخر الدين بن لقمان على السلطان فأعطاه السلطان كتابًا يقرؤه فلما دخل فتح الدين أخذ السلطان الكتاب منه وأعطاه لفتح الدين وقال لفخر الدين: تأخر فعظم ذلك على فخر الدين بن لقمان. قلت: ولولا أن هذه الواقعة خرق للعادة ما غضب ابن لقمان من ذلك لأن العادة كانت يوم ذاك لا يقرأ أحد على السلطان كتابًا بحضرة الوزير. انتهى. ومنها واقعة القاضي فتح الدين المذكور مع شمس الدين ابن السلعوس لما ولي الوزارة للملك الأشرف خليل بن قلاوون فإنه قال لفتح الدين: اعرض علي كل ما تكتبه عن السلطان كما هي العادة فقال فتح الدين: لا سبيل إلى ذلك فلما بلغ الملك الأشرف هذا الخبر من الوزير المذكور قال: صدق فتح الدين فغضب من ذلك الوزير ابن السلعوس. قلت: وعندي دليل آخر أقوى من جميع ما ذكرته أنه لم أقف على ترجمة رجل في الإسلام شرقًا ولا غربًا نعت بكاتب السر قبل فتح الدين هذا وفي هذا كفايته. وما ذكره صاحب صبح الأعشى وغيره ممن كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ليس في ذلك دليل على أنهم كتاب السر بل ذلك دليل لكل كاتب كتب عن مخدومه كائنا من كان. ونحن أيضًا نذكر الذين ذكرهم صاحب صبح الأعشى وغيره من الكتاب ونذكر أيضًا من ألحقناه بهم من كتاب السر إلى يومنا هذا ليعلم بذلك صدق مقالتي بذكرهم وألقابهم وزمانهم. انتهى. قال: اعلم أن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا نيفًا على ستة وثلاثين كاتبًا لكن المشهور منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم. قلت: وفي مروان خلاف لأن الحافظ أبا عبد الله الذهبي قال في ترجمة مروان بن الحكم: له رؤية إن شاء الله ولم يعده من الصحابة فكيف يكون من الكتاب وأيضًا حذف جماعة من كبار الصحابة كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأثبت مروان هذا وفي صحبته خلاف. ولولا خشية الإطالة لذكرنا من ذكره الحافظ العلامة مغلطاي ممن كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ليعلم بذلك غلط من عد مروان من الكتاب. انتهى. قال: ولما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وصارت الخلافة إلى أبي بكر كتب عنه عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم. فلما استحلف عمر كتب عنه عثمان وعلي ومعاوية وعبد الله بن خلف الخزاعي وكان زيد بن ثابت وزيد بن أرقم يكتبان على بيت المال. فلما استخلف عثمان كتب عنه مروان بن الحكم. فلما استخلف علي كتب عنه عبد الله بن رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وسعيد بن نمران. فلفا استخلف الحسن كتب عنه كتاب أبيه. فلما بايعوا معاوية كتب عنه عبد الله بن أوس وكتب عبد الله المذكور عن ابنه يزيد أيضًا وابن ابنه معاوية بن يزيد. فلما خلع معاوية بن يزيد نفسه وتولى مروان بن الحكم كتب عنه سفيان الأحول وقيل عبيد الله بن أوس. فلما استخلف عبد الملك بن مروان كتب عنه روح بن زنباع الجذامي. فلما استخلف الوليد كتب عنه قرة بن شريك ثم قبيصة بن ذؤيب ثم الضحاك بن زمل. فلما استخلف سليمان كتب عنه يزيد بن المهلب ثم عبد العزيز بن الحارث. فلما استخلف الإمام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب عنه رجاء بن حيوة الكندي ثم الليث بن أبي رقية فلما استخلف يزيد بن عبد الملك كتب عنه سعيد بن الوليد الأبرش ثم محمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري. فلما استخلف هشام بن عبد الملك أبقاهما على عادتهما واستكتب معهما سالمًا مولاه. فلما استخلف الوليد بن يزيد كتب عنه العباس بن مسلم. فلما استخلف يزيد بن الوليد كتب عنه ثابت بن سليمان. فلما استخلف إبراهيم بن الوليد كتب عنه أيضًا ثابت على عادته. فلما صارت الخلافة إلى مروان بن محمد بن مروان كتب عنه عبد الحميد بن يحيى مولى بني عامر إلى ثم صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا كتابهم وزراء وكان أول خلفاء بني العباس أبو العباس عبد الله بن محمد السفاح فاتخذ أبا سلمة حفص بن سليمان الخلال وهو أول وزير وزر في الإسلام ثم استوزر معه خالد بن برمك وسليمان بن مخلد والبربيع بن يونس فتراكمت عليهم الأشغال واتسعت عليهم الأمور فأفردوا للمكاتبات ديوانًا وكانوا يعبرون عنه تارة بصاحب ديوان الرسائل وتارة بصاحب ديوان المكاتبات وتفرقت دواوين الإنشاء في الأقطار فكان بكل مملكة ديوان إنشاء. وكانت الديار المصرية من حين الفتح الإسلامي وإلى الدولة الطولونية إمارة ولم يكن لديوان الإنشاء فيها كبير أمر. فلما استولى أحمد بن طولون عظمت مملكتها وقوي أمرها فكتب عنه أبو جعفر محمد بن أحمد بن مودود. وكتب لولده خمارويه إسحاق بن نصر العبادي النصراني وتوالت دواوين الإنشاء بذلك إلى حين انقراض الدولة الإخشيدية. ثم كانت الدولة الفاطمية فعظم ديوان الإنشاء بها ووقع الاعتناء به واختيار بلغاء الكتاب ما بين مسلم وذمي فكتب للعزيز بن المعز في الدولة الفاطمية أبو المنصور بن سورين النصراني ثم كتب لابنه الحاكم ومات في أيامه وكتب للحاكم بعده القاضي أبو الطاهر النهركي. ثم تولى الظاهر بن الحاكم فكتب عنه أبو الطاهر المذكور. ثم تولى المستنصر فكتب عنه القاضي ولي الدين بن خيران وولي الدولة موسى بن الحسن بعد انتقاله إلى الوزارة وأبو سعيد العميدي. ثم تولى الآمر والحافظ فكتب عنهما الشيخ أبو الحسن علي ابن أحمد بن الحسن بن أبي أسامة الحلبي إلى أن توفي في أيام الحافظ فكتب بعده ولده أبو المكارم هبة الله إلى أن توفي ومعه الشيخ أمين الدين تاج الرياسة أبو القاسم علي بن سليمان بن منجب المعروف بابن الصيرفي والقاضي كافي الكفاة محمود ابن القاضي الموفق أسعد بن قادوس وابن أبي الدم اليهودي ثم كتب بعد أبي المكارم القاضي الموفق بن الخلال بقية أيام الحافظ إلى آخر أيام العاضد آخر خلفائهم وبه تخرج القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني. ثم أشرك العاضد مع الموفق بن الخلال في ديوان الإنشاء القاضي جلال الدين محمودًا الأنصاري. ثم كتب القاضي الفاضل بين يدي الموفق بن الخلال في وزارة صلاح الدين يوسف بن أيوب. ثم كانت الدولة الأيوبية فكتب للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب القاضي الفاضل المذكور ثم أضيفت إليه الوزارة. ثم كتب بعد الناصر لابنه العزيز ولأخيه العادل أبي بكر ثم مات العادل والفاضل. قلت: هنا مجازفة لم يكتب القاضي الفاضل للعادل وكان بينهما مشاحنة ومات الفاضل قبل وصول العادل إلى مصر وقيل وقت دخول العادل من باب النصر إلى القاهرة كانت جنازة القاضي الفاضل خارجة. وقد ذكرنا ذلك كله في هذا الكتاب وإنما كتب الفاضل للعزيز عثمان ولولده الملك المنصور محمد فالتبس المنصور على الناقل بالعادل. انتهى. قال: ثم تولى الكامل بن العادل فكتب له أمين الدين سليمان المعروف بكاتب الدرج إلى أن توفي فكتب له بعده الشيخ أمين الدين عبد المحسن بن حمود الحلبي مدة قليلة ثم كتب للصالح نجم الدين أيوب ثم ولي ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهير ثم صرف وولي بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الإسعردي فبقي إلى انقراض الدولة الأيوبية. فلما كانت الدولة التركية كتب للمعز أيبك الصاحب فخر الدين المذكور ثم بعده للمظفر قطز ثم للظاهر بيبرس ثم للمنصور قلاوون ثم نقله قلاوون من ديوان الإنشاء للوزارة وولي ديوان الإنشاء مكانه القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر فكتب عنه بقية أيامه ثم كتب لابنه الأشرف خليل إلى أن توفي فولى مكانه القاضي تاج الدين أحمد بن الأثير فكتب إلى أن توفي فكتب بعده الماضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمري فكتب بقية أيام الأشرف. فلما تولى أخوه الناصر محمد كتب عنه القاضي شرف الدين المذكور في سلطنته الأولى ثم في أيام العادل كتبغا ثم أيام المنصور لاجين ثم في أيام سلطنة الناصر محمد الثانية ثم نقله إلى كتابة السر بدمشق عوضًا عن أخيه القاضي محيي الدين بن فضل الله العمري وتولى مكانه بمصر القاضي علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير فبقي حتى مرض بالفالج فاستدعى الملك الناصر محي الدين بن فضل الله من دمشق وولده شهاب الدين أحمد وولاهما ديوان الإنشاء بمصر. ثم ولى بعدهما القاضي شمس الدين ابن الشهاب محمود فبقي إلى عود السلطان من الحج فأعاد القاضي محيي الدين وولده القاضي شهاب الدين إلى ديوان الإنشاء بمصر فبقيا مدة. ثم تغير السلطان على القاضي شهاب الدين وصرفه عن المباشرة وأقام أخاه القاضي علاء الدين علي وكلاهما معين لوالده لكبر سنه ثم سأل القاضي محيي الدين السلطان في العود إلى دمشق فأعاده وصحبته ولده شهاب الدين واستمر ولده القاضي علاء الدين بالديار المصرية فباشر بقية أيام الناصر ثم أيام ولده الملك المنصور ثم أيام الأشرف كجك ثم أيام الناصر أحمد إلى أن خلع نفسه وتوجه إلى الكرك وتوجه معه القاضي علاء الدين فلما تولى الملك الصالح إسماعيل السلطنة بمصر بعد أخيه الناصر أحمد قرر القاضي بدر الدين محمد ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله عوضًا عن أخيه علاء الدين. قلت: لم يل بدر الدين محمد بعد أخيه علاء الدين الوظيفة استقلالًا وإنما ناب عنه إلى حين حضوره. انتهى. قال: ثم أعيد علاء الدين أيام الصالح إسماعيل وأيام الكامل شعبان ثم أيام المظفر حاجي ثم أيام الناصر حسن في سلطنته الأولى ثم في أيام الصالح صالح ثم في أيام الناصر حسن في سلطنته الثانية ثم أيام المنصور محمد ابن المظفر حاجي ثم في أيام الأشرف شعبان وتوفي في أيامه. قلت: وكانت وفاته في شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة بعد أن باشر كتابة السر نيفًا وثلاثين سنة لأحد عشر سلطانًا. قال: ثم ولي الوظيفة بعده ولده بدر الدين محمد ابن القاضي علاء الدين فباشر بقية أيام الأشرف شعبان ثم ولده المنصور علي ثم أخيه الملك الصالح حاجي بن شعبان إلى أن خلع بالظاهر برقوق فاستقر برقوق بالقاضي أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل التركماني إلى أن توفي. قلت: وكانت وفاته في ذي الحجة سنة ست وثمانين وسبعمائة. قال: ثم أعيد بدر الدين فباشر حتى خلع الظاهر برقوق بالمنصور حاجي فاستمر بدر الدين إلى أن عاد برقوق إلى سلطنته الثانية صرفه بالقاضي علاء الدين علي بن عيسى الكركي ثم صرف الكركي. قلت: ومات معزولًا في شهر ربيع الأول في سنة أربع وتسعين وسبعمائة. قال: ثم أعيد القاضي بدر الدين من بعد عزل القاضي علاء الدين فاستمر بدر الدين إلى أن عاد برقوق فتوفي بدمشق. قلت: ووفاته في شوال سنة ست وتسعين وسبعمائة. قال: وولي بعده القاضي بدر الدين محمود الكلستاني فباشر إلى أن توفي. قلت: وكانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. قال: فتولى بعده القاضي فتح الدين فتح الله التبريزي فباشر بقية أيام الظاهر ومدة من أيام الناصر إلى أن صرفه الناصر فرج بالقاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب مدة يسيرة ثم صرف ابن غراب وأعيد القاضي فتح الله ثانيًا فباشر إلى أن صرف بالقاضي فخر الدين بن المزوق فباشر مدة يسيرة ثم صرف وأعيد فتح الله فباشر إلى أن صرفه الملك المؤيد شيخ وقبض عليه وصادره. قلت: ومات تحت العقوبة خنقًا في ليلة الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول سنة ست عشرة وثمانمائة وهو فتح الله بن مستعصم بن نفيس التبريزي الحنفي الداودي يأتي ذكره هو وغيره من كتاب السر في محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. قال: وتولى بعده القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي فباشر إلى أن توفي. قلت: وكانت وفاته يوم الأربعاء ثامن شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ومولده بحماة في يوم الاثنين رابع شوال سنة تسع وستين وسبعمائة. وتولى بعده ولده القاضي كمال الدين محمد بن البارزي فباشر إلى أن صرفه الملك الظاهر ططر وولى علم الدين داود بن عبد الرحمن بن الكويز فباشر إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثمانمائة في دولة الملك الأشرف برسباي. وولى بعده جمال الدين يوسف بن الصفي الكركي فباشر قليلًا إلى أن صرف بقاضي القضاة شمس الدين محمد الهروي ودام الكركي بعد ذلك وباشر عدة وظائف بالبلاد الشامية إلى أن توفي في حدود سنة خمس وخمسين وثمانمائة وباشر الهروي إلى أن عزل بقاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي فباشر ابن حجي إلى أن عزل وتوجه إلى دمشق على قضائها ودام إلى أن قتل بها في ذي القعدة سنة ثلاثين وثمانمائة وولى بعده القاضي بدر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن مزهر واستمر إلى أن مات في ليلة الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. وولى بعده ابنه جلال الدين وقيل بدر الدين محمد مدة يسيرة. وصرف بالشريف شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني الدمشقي فباشر مدة يسيرة وتوفي بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وولي بعده أخوه نحو الجمعة بغير خلعة وتوفي بالطاعون أيضًا. وولي بعدهما شهاب الدين أحمد بن صالح بن أحمد بن عمر المعروف بابن السفاح الحلبي فباشر إلى أن مات في سنة خمس وثلاثين. وولي بعده الوزير كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله المعروف بابن كاتب المناخ مضافًا للوزارة فباشر أشهرًا وصرف وأعيد القاضي كمال الدين محمد بن البارزي في يوم السبت العشرين من شهر ربيع الأخر سنة ست وثلاثين فباشر إلى أن صرف يوم الخميس سابع شهر رجب سنة تسع وثلاثين وولي مكانه الشيخ محب الدين محمد بن الأشقر فباشر إلى أن صرف وولي صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله فباشر إلى أن توفي بالطاعون في سنة إحدى وأربعين وولي مكانه والده الصاحب بدر الدين حسن فباشر إلى أن صرف وأعيد القاضي كمال الدين بن البارزي في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وهي ولايته الثالثة فباشر إلى أن توفي بكرة يوم الأحد سادس عشرين صفر سنة ست وخمسين وثمانمائة ولم يخلف بعده مثله وولي بعده القاضي محب الدين محمد بن الأشقر المقدم ذكره وباشر إلى أن صرفه الملك الأشرف إينال بالقاضي محب الدين محمد بن الشحنة الحلبي فباشر ابن الشحنة أشهرًا ثم صرف وأعيد القاضي محب الدين محمد بن الأشقر وهي ولايته الثالثة. انتهى. قلت: وغالب من ذكرناه من هؤلاء الكتاب قد تقدم ذكر أكثرهم ويأتي ذكر باقيهم في محلهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وقد استطردنا من ترجمة الملك المنصور إلى غيرها ولكن لا بأس بالتطويل في تحصيل الفوائد. انتهى. وقد تقدم ذكرها في ترجمة الملك السعيد والملك العادل سلامش ولدي الملك الظاهر بيبرس وهي سنة ثمان وسبعين وستمائة فإنه حكم فيها من شهر رجب. إلى آخرها. السنة الثانية من سلطنة المنصور قلاوون وهي سنة تسع وسبعين وستمائة. فيها توفي الشيخ محيي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الواحد بن السابق الحلبي العدل الكبير كان من أكابر بيوت حلب وكان عنده فضيلة ورياسة ومات بدمشق في ذي الحجة. وفيها توفي الأمير سيف الدين وقيل صارم الدين أزبك بن عبد الله الحلبي العدل الكبير كان من أعيان أمراء دمشق وهو منسوب إلى أستاذه الأمير عز الدين أيبك الحلبي وكان قد تجرد إلى بعلبك فتمرض بها فحمل في محفة إلى دمشق فمات بها في شوال. وفيها توفي الأمير جمال الدين آقوش بن عبد الله الشمسي كان من أعيان الأمراء وأماثلهم وشجعانهم وهو الذي أمسك الأمير عز الدين أيدمر الظاهري وهو الذي باشر قتل كتبغا نوين مقدم التتار يوم عين جالوت وكان ولي نيابة حلب في السنة الخالية ومات بها في يوم الاثنين خامس المحرم ودفن بحلب وهو في عشر الخمسين. وفيها توفي الشيخ الإمام كمال الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الحنفي الفقيه العدل كان من أعيان الفقهاء العدول وكان كثير الديانة والتعبد وهو أخو قاضي القضاة شمس الدين الحنفي. وفيها توفي الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أيوب بن أبي رحلة الحمصي المولد والدار البعلبكي الوفاة كان فاضلًا ظريفًا أديبًا شاعرًا ومما ينسب إليه من الشعر قوله: البسيط والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه عن غير قصد فلا تحمد ولا تلم لا تسأل الدهر في البأساء يكشفها فلو سألت دوام البؤس لم يدم وفيها توفي الأديب الفاضل الشاعر المفتن جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي المصري المولد والوفاة المعروف بالجزار الشاعر المشهور أحد فحول الشعراء في زمانه. مولده سنة إحدى وستمائة. ومات يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن بالقرافة وكان من محاسن الدنيا وله نوادر مستظرفة ومداعبات ومفاوضات مع شعراء عصره وله ديوان شعر كبير. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: لم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق وهو كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. انتهى كلام الصفدي. أكلف نفسي كل يوم وليلة شرورًا على من لا أفوز بخيره كما سود القصار بالشمس وجهه ليجهد في تبييض أثواب غيره وقيل: إنه بات ليلة في رمضان عند الصاحب بهاء الدين بن حنا فصلى عنده التراويح وقرأ الإمام في تلك الليلة سورة الأنعام في ركعة واحدة فقال أبو الحسين: السريع مالي على الأنعام من قدرة لا سيما في ركعة واحمه فلا تسوموني حضورا سوى في ليلة الأنفال والمائده ومن شعره: الكامل طرف المحب فم يذاع به الجوى والدمع إن صمت اللسان لسان تبكي الجفون على الكرى فاعجب لمن تبكي عليه إذا نأى الأوطان وفيها توفي الشيخ الإمام عماد الدين أبو بكر بن هلال بن عباد الجيلي الحنفي معيد المدرسة الشبلية. كان إمامًا عالمًا صالحًا منقطعًا عن الناس مشتغلًا بنفسه وكان معدودًا من العلماء أفتى وأعاد ودرس وانتفع به الناس ومات في تاسع عشر شهر رجب وقد كمل له مائة سنة وأربع سنين. وروى عنه ابن الزبيدي وروى بالإجازة العامة عن السلفي. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن النن. والأديب البارع أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم الجزار بمصر. وشيخ الرافضة النجيب أبو القاسم بن الحسين ابن العود الحلي بجزين في شعبان. والشيخ الزاهد يوسف بن نجاح بن موهوب الفقاعي بزاويته بقاسيون. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا.
|