الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
وإذا عزل الأمير الخمس على حدة والأخماس الأربعة على حدة وعدل في القسمة ثم وجد ببعض الرقيق الذين جعلهم في أحد القسمين عيباً قبل دفع نصيب كل فريق إليهم فإن كان ذلك عيباً يسيراً أمضى القسمة على حالها لأن قسمة الغنائم مبنية على التوسع والعيب اليسير فيما بني على التوسع غير معتبر كما في الصداق وبدل الخلع ألا ترى أنه لو وجد هذا العيب بعد تمام القسمة لم يلتفت إليه فكذلك إذا وجده قبل تمام القسمة قلنا: لا يمتنع لأجله إتمام القسمة. وإن كان ذلك عيباً فاحشاً وجده ببعضهم أو عيوباً كثيرة غير فاحشة وجدها بجماعة الرقيق بحيث إذا جمعت كانت بمنزلة العيب الفاحش فإنه لا ينقض القسمة أيضاً ولكن ينظر إلى هذا النقصان فيجمعه ثم يزيد عليه من القسم الآخر حتى تحصل المعادلة لأن العيب الفاحش معتبر لما في اعتبار الفائدة فيما بني على التوسع وفيما بني على الضيق إلا أنه لا حاجة به إلى نقض ما باشره من عمل القسمة والمقصود هو المعادلة وذلك يحصل بالزيادة من أحد القسمين في القسم الآخر فلا ينبغي أن ينقض ما صنعه من غير حاجة فإن قيل: القسمة لا تقع قبل التسليم فينبغي أن يؤمر بالاستئناف على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين. قلنا: ما أتى بهمن العزل هو من عمل القسمة وإن لم يتم فبظهور العيب الفاحش تبين أنه أقام بعض العمل دون البعض فإنما يشتغل بمباشرة ما لم يأت به من العمل لا بنقض ما قد أتى به. وكذلك لو وجد بعض الرقيق الذين جعلهم للخمس حراً مسلماً أو ذمياً أو أم ولد مسلم فإنه لا ينقض ما صنع من القسمة ولكنه يأخذ من الأخماس الأربعة مقدار أربعة أخماس هذا الذي وجده حراً لأن المعادلة بذلك تحصل. وفي هذا الجواب نظر. فإن خمس هذا الذي وجده حراً من نصيب أرباب الخمس وأربعة أخماسه من نصيب الغانمين كما كان قبل القسمة إذا القسمة لا تؤثر فيه فأما إذا أخذ أربعة أخماس قيمته مما بقي وجعله لأرباب الخمس يزداد نصيبهم لا أن يحصل به المعادلة. ولكنا نقول: هو حين جعل هذا في حصة أرباب الخمس فقد جعل خمسه لأرباب الخمس باعتبار أصل حقهم وأربعة أخماسه لهم عوضاً عما سلمه للغانمين من نصيب أرباب الخمس فيما دفعه إليهم فإنما يكون له الرجوع عند استحقاق المعوض بالعوض. وكذلك إن كان وجد ذلك بعدما قسم الخمس بين أهله دون الأخماس الأربعة فإنه لا ينقض القسمة ولكته يرجع بقدر ما يحصل به المعادلة عند الكثرة وعند القلة يصير إلى التعويض من مال بيت المال إن كان وقع ذلك في قسم الغانمين وإن كان وقع ذك في قسم الخمس يرجع بحصته فيما صار للغانمين ثم إن شاء أعطى ذلك من كان دفع إليه وإن شاء أعطاه مسكيناً آخر لأن بظهر الحرية فيه تبين أنه لم يصح دفعه فيما دفعه إليه فيبقى رأيه في اختيار المصرف في ذلك القدر كما لو لم يدفعه إلى أحد وكذلك في الرجوع بنقصان العيب الفاحش فالرأي إليه في أن يصرفه إلى ذلك المسكين باب ما يجوز لصاحب المقاسم أن يأخذ لنفسه وما لا يجوز وما يكون قبضاً في البيع وما لا يكون وإذا باع المولى للقسمة الغنائم في دار الحرب أو في دار الإسلام بأقل من قيمتها فإن كان النقصان بقدر ما يتغابن الناس في فبيعه جائز وإن كان مما لا يتغابن الناس فيه فبيعه مردود لأن فعل المولى كفعل الإمام بنفسه والمعنى في الكل واحد وهو أن الغنيمة حق الغانمين ونفوذ البيع فيه من غير رضاهم باعتبار النظر لهم في ذلك والبيع بالغبن الفاحش لا يتحقق فيه معنى النظر فأما بالغبن اليسير فيتحقق فيه معنى النظر لأن ذلك مما لا يستطاع الامتناع منه عدة. ألا ترى أن الأب والوصي يملكان بيع مال الصغير بالغبن اليسير ولا يملكان ذلك بالغبن الفاحش. فإن قيل: لمن باشر البيع في الغنيمة نصيب وله ولاية البيع في نصيبه مطلقاً فينبغي أن ينفذ بيعه فيه على كل حال. قلنا: لا ملك له في شيء منه قبل القسمة. ألا ترى أنه لا ينفذ بعه في شيء إذا لم يوله الإمام ذلك فعرفنا أن تنفيذ بعه في الكل باعتبار معنى النظر. يوضحه: أن المحاباة الفاحشة ممن لا يملك الهبة بمنزلة الهبة وهو لو وهب شيئاً من ذلك لم تصح هبته في الكل. فكذلك إذا باع بغبن فاحش واستدل عليه بحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فإنه حين افتتح العراق باع من المسور بن مخرمة طستاً بألف درهم فباعها المسور بألفي درهم فقال له سعد: لا تتهمني ورد الطست فإني أخشى أن يسمع ذلك عمر - رضي الله عنه - فيرى أني قد جابيتك فرده ثم ذكر لعمر - رضي الله عنه - فقال: الحمد لله الذي جعل رعيتي تخافني في آفاق الأرض وما زادني على ذلك شيئاً ولو كان هذا البيع جائزاً لأمر عمر - رضي الله عنه - برد الطست عليه. فإن اشترى المولى شيئاً من الغنيمة لنفسه بأقل من قيمته أو أكثر فإن ذلك لا يجوز لأنه لا يكون مشترياً من نفسه ولا بائعاً منها فإن الواحد لا يتولى العقد من الجانبين لما فيه من تضاد الأحكام. من أصحابنا من يقول هذا الجواب قول محمد - رحمه الله - فأما على قياس قول أبي حنيفة - رحمه الله - فينبغي أن يجوز ذلك إذا اشتراه بأكثر من قيمته على وجه يكون فيه منفعة ظاهرة للغانمين بمنزلة الوصي يشتري من مال اليتيم لنفسه والأصح أنه قولهم جميعاً لأن بيعه هذا بمنزلة الحكم ولهذا لا يلزمه العهدة في ذلك فيكون هذا قضاء منه لنفسه والإنسان لا يكون قاضياً في حق نفسه عندهم جميعاً ولو لا هذا المعنى لكان ينبغي أن يجوز البيع عندهم جميعاً وإن لم يكن فيه منفعة ظاهرة لأن الوصي إنما لا يبيع من نفسه لأن العهدة تلحقه فيؤدي إلى ضاد الأحكام وذلك لا يجوز. فإن كان المشترى جارية وأشهد أنه يأخذها لنفسه بثمن قد سماه فحبلت منه وولدت ردت في الغنيمة مع عقرها لأن البيع كان باطلاً وقد سقط الحد للشبهة فعليه اعقر. وفي القياس الولد مردود في الغنيمة أيضاً ولا يثبت نسبه منه كما لو كان فعل هذا قبل الشراء لنفسه. ولكنه استحسن فجعل الولد حراً بالقيمة ثابت النسب منه لأجل الغرور الثابت باعتبار النظر للمولى عليه وهذا القدر يكفي لإثبات حكم الغرور فلهذا كان ابنه حراً بالقيمة. فيجعل ذلك كله في الغنيمة إن لم يقسمها وإن كان قسمها وقسم الثمن الذي غرم مع ذلك فإن الإمام يعطيه الثمن من قيمة الولد الذي غرم ومن العقر لأن ذلك دين عليه للغانمين والثمن الذي في الغنيمة لبطلان البيع فيجعل أحدهما قصاصاً بالآخر. وإن لم يكن في ذلك وفاء بالثمن باع الجارية فأوفاه بقية الثمن ثم أخذ ما بقي فجعله في بيت المال لأن هذا من جملة الغنيمة وقد تعذر قسمته بين الغانمين لتفرقهم ثم بين الحيلة للمولى إذا أراد أن يشتري شيئاً لنفسه. فقال: ينبغي ذلك ممن يثق به بأقصى ثمنه ويسلمه إليه ثم يشتريه من لنفسه بعدما يقبض الثمن من كله إن أراد أن يشتريه منه لنفسه بعدما يقبض الثمن منه كله إن أراد أن يشتريه بأقل من ذلك الثمن وإن أراد أن يشتريه بمثل ذلك الثمن أو أكثر فلا حاجة إلى قبض الثمن. لأن حاله في هذا كحال القاضي فيما يريد أن يشتريه لنفسه من مال اليتيم ثم استدل علي أنه لا يملك الشراء من نفسه لنفسه بحديث عثمان - رضي الله عنه -. فإن إبلاً من إبل الصدقة أتى بها عثمان فأعجبته فأقامها في السوق حتى بلغت أقصى ثمنها ثم أخذها بذلك فأتى الناس عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وأخبروه بما صنع فأتاه وقال له: هل رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صنع من ذلك شيئاً وأمره برد ذلك وكان هذا أول ما عيب على عثمان - رضي الله عنه - فإذا كان هذا يرد على مثل عثمان فعلى غيره ممن يلي المقاسم أولى ولو أن المولى للقسمة جزأها وبين نصيب كل رجل وأقرع عليها فخرج نصيبه فيما خرج جاز قبض المولى لنصيب نفسه وإن هو الذي ولي القسمة كما يجوز القبض من غيره في نصيب نفسه لأنه لا يكون منهما في تمييز نصيب نفسه بالقرعة وإنما تتمكن التهمة فيما يخص به نفسه لا فيما تستوي نفسه فيه بغيره وقد بينا هذا في التنفيل يوضح الفرق بين القسمة والبيع أن القسمة بهذه الصفة لا تتم بهد وحده بل به وبالمسلمين فإنهم يقبضون أنصباءهم كما يقبض هو نصيبه ولا تتم القسمة إلا بالقبض فإذا كان تمام القسمة بهم جميعاً كان مستقيماً فأما البيع لو صح كان تمامه به وحده والبيع لا يتم بالواحد مباشرة من الجانبين. ألا ترى أن أحد الورثة لو قسم التركة برضاء سائر الورثة وقبض كل واحد منهم نصيبه بعد الإقراع جاز وبمثله لو اشترى أحد الورثة نصيب سائر الورثة من التركة من نفسه برضاهم لم يجز ذلك فكذلك حال المولى للقسمة في الغنيمة. ولو أن المولى لبيع الغنائم جعل رمكاً في حظيرة ثم باع رمكة بعينها وقبض الثمن وقال للمشتري: ادخل الحظيرة فأقبضها فقد خليت بينك وبينها فدخل الرجل وعالجها فانفلتت منه وخرجت من باب الحظيرة فيطالبه المشتري برد الثمن لأنه لم يقبضها فالأصل في جنس هذه المسائل أن قبض المعقود عليه يكون من المشتري تارة بالتمكن منه بعد تخلية البائع بينه وبينها وتارة يكون بمباشرة التسليم إليه ففي التخلية يعتبر التمكن من إثبات اليد عليه ليصير قابضاً وفي مباشرة التسليم إليه لا يعتبر التمكن من تقرير اليد فيه لأن هذا تسليم حقيقة وحقيقة الشيء تثيت بوجوده والأول تسليم من طريق الحكم فيستدعي التمكن من قبضه. إذا عرفننا هذا فنقول: إذا كانت الرمكة في الحظيرة بحيث يقدر المشتري على أخذها إلا أن ذلك ربما يصعب عليه إلا بتوهيق أو نحوه وكانت لا تقدر أن تخرج من الحظيرة قبل فتح الباب فهذا قبض من المشتري لتمام التسليم من البائع بالتخلية فإنه صار متمكناً من قبضها. وإن كانت بحيث لا يقدر على أخذها أو كانت في موضع تقدر أن تنفلت منه ولا يضبطها فليس هذا بقبض من المشتري لأن التخلية لم توجد حكماً فإنها تمكين من القبض والتمكين لا يتحقق بدون التمكن. وإن كان المشتري لا يقدر على أخذها وحده ويقدر على ذلك إن كان معه أعوان فكذلك الجواب لأنه ما صار متمكناً من قبضها فإن تمكن الإنسان من شيء عند وجود أعوان له على ذلك لا يكون دليلاً عل تمكنه منه بنفسه ألا ترى أنه قد يتمكن من نقل الخشبة الثقيلة بأعوان يعينونه على ذلك ولا يدل ذلك على تمكنه منه بنفسه وكذلك إن كان يقدر على أخذها وحده ولو كان معه حبل وإنما انفلتت لأنه لم يكن معه حبل فهذا لا يكون قبضاً لأن تمكنه من الشيء بوجود آلته لا يدل على أنه متمكن منه مع انعدام تلك الآلة فإن كان يقدر على أخذها بغير حبل ولا عون أو بحبل ومعه حبل أو بعون ومعه عون وقد خلي بينه وبينها فالثمن لازم عليه لأنه قد تمكن من قبضها فإذا لم يفعل حتى انفلتت كان مضيعاً لها بعد القبض فتهلك من ماله. وإن كانت الرمكة في يد البائع هو ممسك لها فقال المشتري: هاك الرمكة فوضعها في يده فهي من مال المشتري لأنه أثبت يده عليها حقيقة حين وضعها في يده وتقرر الثمن على المشتري باعتبار أصل القبض دون استدامته والمستحق على البائع بالعقد التسليم إلى المشتري لإبقاء يده فيها. فإن كانت في يد البائع على حالها ويد المشتري جميعاً والبائع يقول: قد خليت بينك وبينها ولست أمسكها منعاً مني لها إنما أمسكها حتى تضبطها فانفلتت فهذا أيضاً قبض من المشتري والبائع قد أثبت يده عليها وهو في استدامة يد نفسه معين للمشتري على تقرير يده عليها لا مانع لها منه فلا يمنع ذلك صحة قبض المشتري فإن قيل: كانت الرمكة في يد البائع فبقاء يده فيها تمنع ثبوت اليد للغير بمنزلة المغصوبة فإنه ما بقي يد المالك عليها لا تدخل في ضمان الغاصب قلنا: بقاء يده عليها يمنع يد الغير على طريق المنازعة والمقاتلة فأما على طريق التمكين إياه فلا ثم وجوب الضمان في الغصب إنما يكون بتفويت يد المالك لا بمجرد إثبات اليد لنفسه وهاهنا دخول المبيع في ضمان المشتري باعتبار ثبوت يده عليه ولهذا يدخل في ضمان المشتري بالتخلية قبل النقل في حكم البيع ولا تدخل في ضمانة بالتخلية في حكم الغصب حتى لو هلك قبل النقل ثم جاء مستحق لم يكن له أن يضمن المشتري شيئاً. وإن كانت الرمكة في يد البائع: قد خليت بينك وبينها فاقبضها فإني أمسكها لم فانفلتت لم يكن هذا قبضاً من المشتري وإن كان يقدر على أخذها وضبطها لأن للبائع فيها يد حقيقة ولا ينسخ حكم ذلك اليد إلا ما هو مثلها وتمكن المشتري من قبضها بالتخلية لا يكون مثل حقيقة يد البائع فيها وهذا بخلاف ما إذا وضع البائع المبيع بين يدي المشتري بأن كان نائباً فرضعها بين يديه وقال: خليت بينك وبينها ثم هلكت لأن هناك لم يبق للبائع عليه يد حقيقية وقد صار المشتري متمكناً من قبضها حتى إذا كان البائع يمسكها بيده وقال للمشتري: خليت بينك وبنها فاقبضها فإنه لا يصير قابضاً إلا أن تصل إلى يد المشتري فحينئذ تكون يده فيها حقيقة معهارضة ليد البائع فيجعل قابضاً لذلك. ولو كان البائع وضع الثوب بالبعد من المشتري وناداه أن قد خليت بينك وبينه فاقبضه فإنه لم يصر قابضاً حتى يقرب منه فيصير بحيث تصل يده إليه لأن هذا تسليم بطريق التمكين فلا يتحقق بدون التمكن وتمكنه من القبض لا يكون إلا بعد أن يقرب منه فبل ذلك وجود الخلية كعدمها. إلا بعد فتح الباب ففتح الباب ليأخذ بعضها فغلبته وخرجت من الحظيرة فالثمن لازم للمشتري سواء كان يقدر على أخذها إذا دخل الحظيرة أو لا يقدر على ذلك لأنها كانت محرزة بالباب المسدود وقد تناول البيع كلها ثم صار المشتري بفتح الباب مستهلكاً لها واستهلاك المشتري للمعقود عليه بمنزلة القبض منه ومن أصحابنا من يقول: هذا قول محمد - رحمه الله - فإن فتح الباب عنده استهلاك بطريق المتسبب حتى قال: إذا فتح باب الاصطبل فندت الدابة من ساعتها فهو ضامن من قيمتها لما ذكرنا. فأما على قول أبي حنيفة - رحمه الله - ينبغي أن لا يجب الثمن على المشتري لأنه لا يجعل فتح الباب استهلاكاً وإنما يحيل بهلاك الدابة على الفعل الموجود منها ولهذا لا يضمن به ملك الغير والأصح أن هذا قولهم جميعاً لأن أبا حنيفة - رحمه الله - يجعل فعله تسبباً ولكن في حكم الضمان يقول: قد طرأ على ذلك التسبب فعل معتبر لأن فعل الدابة يعتبر في إزالة السبب الموجب للضمان وإن كان لا يعتبر في إيجاب الضمان. ألا ترى أم من ساق دابة في الطريق فجالت يمنة أو يسرة والسائق ليس معها فأصابت شيئاً لم يكن السائق ضامناً لها باعتبار ما أحدثت الدابة من السير باختيارها لا على نهج سوق السائق وإذا ثبت أن فتح الباب كان تسبباً منه لإتلاف الدابة فقد تقرر عليه الثمن بحكم العقد ثم فعل الدابة لا يصلح مزيلاً لذلك فيبقى ضامناً للثمن. وإن كان الذي فتح الباب رجلاً آخر فإن كان المشتري قد صار بحال لو دخل الحظيرة واجتهد تمكن من قبضها فعليه الثمن لأنه لم يوجد منه الإتلاف تسبباً ولا مباشرة فإنما يعتبر لتقرر الثمن عليه تمكنه من قبضها بتخلية البائع بينه وبينها قبل فتح الباب. ألا ترى أن البائع لو كان هو الذي فتح الباب ولم يكن المشتري متمكناً من قبض شيء منها لم يكن عليه من الثمن شيء فكذلك إذا فتح الباب أجنبي آخر وهو نظير ما لو باع طيراً يطير في بيت عظيم وخلي بينه وبين البيت فإن كان المشتري هو الذي فتح الباب فطار كان عليه الثمن وإن فتح غيره الباب أو فتحت الريح الباب فخرج الطير لم يكن عليه من الثمن شيء. إذ لم يكن متمكناً من أخذها. فكذلك الرمك وبعض هذا قريب من بعض وإنما يؤخذ بالاستحسان في كل فصل. ولو أن المولى باع الغنائم ولم يقبض الثمن فسأله الإمام أن يضمن الثمن عن المشتري ففعل ذلك فهو جائز. وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا ضمن الثمن للموكل عن المشتري لأن الوكيل في حقوق العقد كالعاقد لنفسه ولهذا لو ظهر الاستحقاق أو العيب كانت الخصومة معه فإذا ضمن الثمن عن المشتري فهو إنما يضمن لنفسه عن غيره في الحكم وذلك لا يجوز فأما المولى فهو نائب محض في هذا العقد ليس عليه من حقوق العقد شيء بمنزلة الرسول فيكون هو في ضمان الثمن عن المشتري كغيره من الأجانب إن ضمن بأمره رجع عليه إذ أدى وإن ضمن بغير أمره لم يرجع عليه بشيء إذا أدى والدليل على الفرق أن المولى لو أبرأ المشتري عن الثمن هاهنا لم يصح إبراؤه والوكيل بالبيع إذا أبرأ المشتري على الثمن صح إبراؤه في حق المشتري وإن كان يصير ضامناً مثله للموكل. ثم المولى في هذا البيع بمنزلة القاضي في بيع مال اليتيم والوكيل بمنزلة الوصي في بيع مال اليتيم ولو أن قاضياً باع مال اليتيم ثم عزل واستقضى آخر فضمن القاضي الأول للقاضي الثاني الثمن من المشتري أو كبر اليتيم فضمن له القاضي الأول ذلك وهو قاض على حاله كان ضمانه جائزاً ولو كان الوصي هو الذي باع مال اليتيم ثم ضمن الثمن للقاضي عن المشتري أو لليتيم بعدما كبر فإن ضمانه يكون باطلاً وكذلك الوالد إن كان هو الذي باع ثم ضمن الثمن والفرق ما ذكرنا أن الأب والوصي يلزمهما العهدة ويكون خصومة المشتري في العيب والاستحقاق معهما والقاضي لا يلزمه العهدة ولا يكون للمشتري معه خصومة في شيء من ذلك وأمي القاضي بمنزلة القاضي في أنه لا تلحقه العهدة فيصح ضمانه عن الثمن عن المشتري فكذلك المولى يبيع الذي وقع الحق له ليأخذ منه الثمن وفي العيب الإمام ينصب للمشتري خصماً إن شاء ذلك المولى وإن شاء غيره حتى إذا ثبت حق المشتري رجع بالثمن في غنائم المسلمين إن كانت لم تقسم وإن قسمت غرم ذلك للمشتري من بيت المال وليس على الذي باشر البيع عهدة في شيء من ذلك ولهذا صح ضمانه للثمن والله أعلم.
|